فهمه وكفاه ، (1) وأبراه من كل داء حيرة وشفاه ، كما قال تبارك وتعالى : ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) (57) [يونس: 57] ، فإنك يا بني : إن تفهم أقل آياته وما دل به على نفسه في ذلك (2) من دلالته حق فهمه تكن من الموقنين.
فمن ذلك فافقه مقالته جل جلاله ، عن أن يحويه قول أو يناله ( قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ) (13) [الملك : 13].
فأخبرهم سبحانه من إنشائه لهم بما يرون عيانا ويبصرون ، وما لا يقدرون على إنكاره إلا بالمكابرة (3) لما يرون ، إذ الجعل والإنشاء ، إنما هو الزيادة والنماء ، ولا خفا عندهم ، ولو جهدوا جهدهم ، بما يرونه والحمد لله عيانا من زيادتهم ، في أنفسهم وسمعهم وأبصارهم وأفئدتهم ، كما قال سبحانه لهم في ذلك ، فإنما كانوا على ما وصفهم كذلك ، يزيدون وينمون ، وينشون ويتمون ، (4) حتى عادوا رجالا بعد أن كانوا أطفالا ، وصاروا كثيرا مذكورا ، بعد أن كانوا قليلا محقورا ، كما قال سبحانه : ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا (1)) [الإنسان : 1]. وقد أتى عليه أن كان ترابا ثم نطفة ثم علقة ، ثم مضغة مخلقة وغير مخلقة ، وفي ذلك ما يقول الله تعالى ذكره : ( يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء
مخ ۲۸۷