لخصائص الحقبة الزمنية التي عاصرها المؤلف، - الممتدة ما بين النصف الثاني من القرن الرابع والنصف الأول من القرن الخامس الهجري - والتي تعد بحق من أوضح مراحل الاحتدام الفكري والعقائدي بين مجمل المذاهب والفرق الإسلامية وما يحسب عليها في صراع جدلي - يمتد في أحيان معينة إلى أبعد من ذلك - من أجل احتواء الساحة الإسلامية وبسط الرداء عليها، أو اقتسامها على أقل تقدير.
بلى فما توافقت عليه الأجهزة الحاكمة طوال حقب التغييب القسري للوجود العلني الحر لمدرسة أهل البيت عليهم السلام - إلا في حدود ضيقة محصاة الأنفاس - وجهدها - أي تلك الأجهزة - على الترويج السياسي - البعيد عن الإيمان العقائدي - لبعض المذاهب الإسلامية الأخرى التي طرحت قبالة تلك المدرسة المباركة. وما يصاحب ذلك من مراهنات ومداهنات وتلاعب سمج في التقديم والتأخير بين جملة تلك المذاهب من قبل أجهزة الدولة بالارتكاز على أصحاب الذمم المعروضة للبيع في أسواق النخاسة، وما رافق ذلك من تزاوج حضاري بين الأمم والشعوب التي انضوت تحت الرداء الإسلامي الواسع وبين المسلمين الذين دوختهم السياسات الخاطئة والمنحرفة للحكام المتوارثين لسدة الخلافة الإسلامية دون حق أو جدارة، طيلة الحكمين الأموي بشقيه، والعباسي، كل ذلك كان له عظيم الأثر في تسرب العديد من المفاهيم الشاذة والغريبة عن العقيدة الإسلامية النقية الصافية، لا سيما والعديد من تلك الشعوب التي خضعت للإسلام وسلمت له تمتلك بعدا حضاريا، وتاريخا كبيرا، وفلسفات معقدة متشابكة هي غريبة وعسرة الفهم على ذهنية عوام المسلمين وبسطائهم، فنشأت نتيجة ذلك جملة متعددة من الأطروحات الدخيلة التي تجذرت مع الأيام ليصبح لها دعاة وأتباع لا يمكن تجاهلهم بحال من الأحوال، بل ويتطلب ذلك وقفة عقائدية جدية لتشذيب العقيدة الإسلامية من هذه المداخلات الغريبة عنها، والمنافرة لها.
ولعل الحقبة الزمنية التي عاصرها المؤلف، والتي شهدت تمزق أشلاء
مخ ۱۶