كلهم وكل من كان قبلهم عبد لله مربوب ، إذ كلهم وكل من كان مثلهم (1) مصرف مقهور مغلوب ، يسقم ويفنى ويموت ، ويحل به السقم والموت ، فقال لهم فرعون : ( إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ) (27) [الشعراء : 27]. فقال لهم موسى صلى الله عليه إذ عاودوا يسألون : ( رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون ) (28) [الشعراء: 28]. فقررهم صلى الله عليه من ذلك بما لا ينكرون ، إن كانوا يوقنون بغائب أو يعقلون ، ودلهم على الله سبحانه بدليل مبين ، فيه لمن أيقن أدل الدلائل وأيقن اليقين.
وكذلك قال الله سبحانه للقوم (2) الذين لا يعلمون ، إذ سألوا من رؤيته ما لا يمكن ولا يكون ، إذ يقول سبحانه : ( وقال الذين لا يعلمون لو لا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون ) (118) [البقرة : 118]. فأخبر سبحانه أن بيانه إنما هو للذين يعقلون ، ويوقنون من الغيب بما لا يرون ولا يبصرون ، فأما أشباه البهائم الذين لا يعلمون ، إلا ما يرون ويبصرون ، فإن الله سبحانه انتفى من البيان لهم ، وتبرأ من ذلك إليهم (3)، وذلك فمما يدل على علم الله وحكمته ، ولطيف خبره بأحوال بريته.
ومن ذلك قوله سبحانه لكفرة قريش والعرب ، ولمن كان معهم من كل ذي لسان معرب : ( ألم يأتكم نبؤا الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب (9) * قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض ) [إبراهيم : 9 10]. الذي يستدل عليه منهما بكل شيء فيهما من كل أو بعض ، فقالت رسلهم في ذلك لهم ، ما قالت الرسل لأممهم قبلهم ، واحتجوا لله عليهم ، بمثل حجج نوح وإبراهيم
مخ ۲۲۶