البدائع والأصول ، وما تدركه منها عيانا العقول ، على ما يقول به فيها الجاهلون أنها كانت وجاءت ، كما أرادت وشاءت لما فضل بعضها أبدا بعضا ، ولما كانت الأرض سفلا وأرضا ، ولما قصر أوضع الأشياء وأدناها ، عن درجة أرفع الأشياء وأعلاها ، ولكانت الأشياء جميعا سواء ، ولما كان بعضها من بعض أقوى ، حتى يكون كلها شيئا واحدا ، وحتى لا يوجد شيء لشيء منها ضدا. وقد يوجد باليقين من تضادها ، ويتبين (1) من صلاحها وفسادها ، لكل حاسة من الحواس الخمس. ومن سلمت له حواسه من جميع الإنس ، فقد يستدل بما يرى فيها من الاختلاف والنقائص ، على أن لها صانعا خصها بما أبان فيها من الاختلاف والخصائص ، بريء تبارك وتعالى من شبهها في النقص والاختلاف ، متعال عما يوجد فيها أو في واحد منها من الأوصاف.
فدل سبحانه على صنعه للأشياء كلها ، بما أبان فيها من تصرف (2) أحوالها وتنقلها.
واحتج إبراهيم صلى الله عليه (3)، عند محاجته لقومه فيه ، ومنازعته لهم فيما كانوا يعبدون من النجوم معه ، وإنما هي صنع من الله صنعه ، بأفول النجوم التي كانوا يعبدون والكواكب ، ووقفهم على أن كلها صنع الله مغلوب غير غالب ، بما أراهم صلى الله عليه من الأفول فيها والزوال ، وبما أبان عليها من أثر التبدل (4) والانتقال ، وتصرف ما لا ينكرونه فيها من الأحوال ، فلما أراهم أنها من الزائلين ، قال لهم : ( لا أحب الآفلين ) [الأنعام : 76]. يقول صلى الله عليه عند أفول الكواكب : ( لا أحب الآفلين ). ( فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين ) (77) [الأنعام : 77]. وكذلك قال : ( فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر ). قال الله : ( فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون (78) إني وجهت وجهي للذي فطر
مخ ۲۲۰