فرحم الله من عباده عبدا، أيقن أن له إلى الله معادا، فجد وشمر في طلب نجاته، قبل نزول الموت ومفاجأته، فكم رأينا من مفاجأ مبغوت، بما لم يتوقعه من وفاة وموت، أخذ في غمرته، وعلى حين غرته، فتبرأ منه قبيله وأحبآؤه، وأسلمه للموت أهله وأقرباؤه، فلم ينصره أهل ولا عشير، ولم يكن له منهم نصير، بكاه من بكاه منهم قليلا، ثم هجره وجفاه طويلا، فكأن -لم يره قط - حيا، ولم يكن له في حياته صفيا!
فأبصر يا أخي وبادر، واعتبر بما ترى وحاذر، فرب مبصر لا يبصر، ومعتبر بما ترى لا يعتبر، يستر بالأشجان والأحزان، ويغر بالرجاء والأماني، وهو دائب في قطع عمره وأجله، مغتر بمناه ورجاه وأمله، لا يتنفس نفسا، ولا يطرف طرفا، إلا قطع به من أجله ناحية وطرفا، لا يغفل عنه وإن غفل، ولا يؤخر لما رجاء وأمل، قد جد به المسير، واختدعه الأمل والتسويف والتأخير، فأمله خدعة وغرور، وأجله متعة وبور.
يا أخي فالعجل العجل، فقد ترى المسير إلى الموت والترحل، لا يقلع راحله وسائره، ولا يريع على أوائله أواخره، يلحق المتأخر بالسائر الأول، والمقيم من أهله بالظاعن الراحل، لا يخلف من العباد جميعا متخلفا، بل يختطف نفوسهم خطفا، يأخذ الصغير أخذه للكبير، ويلحق بعضهم بعضا في الموت والمصير. فنسأل الله أن يبارك لنا في حلوله وموافاته، وأن يجعلنا ممن أسعده في يوم مماته، ونستغفر الله خير الغافرين، ونضرع إليه في عصمتنا من هلكات الجائرين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما.
مخ ۳۴۸