ولكن هنا يحق لنا أن نتساءل: ماذا كان موقف الدولة العثمانية من هذه الاضطرابات المملوكية ومن استئثار المماليك بشؤون البلاد في الواقع كانت الدولة العثمانية منشغلة بحروبها إبان القرن السابع عشر والثامن عشر ضد روسيا والنمسا مما أنهك قواها وأعاقها عن الالتفاف نحو مصر وغيرها من ولايات الدولة وكانت الدولة العثمانية تتحين الفرصة بين حين وآخر في الوقت الذي لم تكن مشغولة بحروبها في أوربا لاسترجاع سيطرتها الضائعة إذا أحسنت التعبير بإضعاف المماليك ونفوذهم فلجأت إلى وسائل خاصة عديدة منها:
1 - إغلاق أسواق الرقيق في البلقان ومناطق سواحل البحر الأسود أمام البكوات المماليك التي كانت المصدر الأساسي لمماليكهم الذين يجلبوهم ويربوهم ويدربوهم على أعمال الفروسية والقتال وكان هؤلاء المماليك المجلوبين هم السند الأساسي لبكوات المماليك
2 - إرسال حملات تأديبية لردع البكوات المماليك المتمردين على سلطات الدولة وكان المماليك بدورهم يضطرون أمام هذه الحملات إلى الفرار إلى الصعيد حتى إذا اضطرت الدولة إلى استدعاء حملاتها من مصر بسبب حاجتها إليها في ميادين القتال الأوربية رجع المماليك بدورهم إلى القاهرة واستعادوا نفوذهم وسلطانهم (¬1).
وأيضا نتساءل من جديد ما موقف الشعب المصري من الحكم العثماني المملوكي بصفة عامة ومن جور المماليك وظلمهم بصورة خاصة لقد كانت الفكرة السائدة التي كانت تحس بها الجماهير المصرية إبان العهد العثماني المملوكي هي الفكرة الدينية إذا كان المجتمع المصري في هذا العهد لا يزال من مجتمعات العصور الوسطى التي استحوذ الدين فيها على مكانة قوية بل كان بمثابة المركز الذي تدور عليه حياة تلك المجتمعات ولذا كان المصريون ينظرون إلى السلطان العثماني على أنه ((خليفة المسلمين وحامي حمى الإسلام)).
مخ ۷۸