....................................................................
_________
= قال القرطبي: ولا يظن به أنه يحمله على ما كانت الجاهلية تعتقده بناء على أن ذلك يضر وينفع بذاته، فإن ذلك خطأ؛ وإنما عَنَى أن هذه الأشياء هي أكثر ما يتطير به الناس، فمن وقع في نفسه شيء أبيح له أن يتركه ويستبدل به غيره.
قلت: وقد وقع في رواية عمر العسقلاني -وهو ابن حمد بن زيد بن عبد الله بن عمر- عن أبيه عن ابن عمر بلفظ: ذكروا الشؤم فقال: "إن كان في شيء ففي ... "، ولمسلم: "إن يك من الشؤم شيء حق ... "، وفي رواية عتبة بن مسلم: "إن كان الشؤم في شيء ... "، وكذا في حديث جابر عند مسلم وهو موافق لحديث سهل بن سعد، وهو يقتضي عدم الجزم بذلك بخلاف رواية الزهري.
قال ابن العربي: معناه إن كان خلق الله الشؤم في شيء مما جرى من بعض العادة، فإنما يخلقه في هذه الأشياء، قال المازري: مجمل هذه الرواية إن يكن الشؤم حقًّا فهذه الثلاث أحق به، بمعنى أن النفوس يقع فيها التشاؤم بهذه أكثر مما يقع بغيرها.
وجاء عن عائشة أنها أنكرت هذا الحديث، فروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن محمد بن راشد عن مكحول قال: قيل لعائشة: إن إبا هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "الشؤم في ثلاثة ... " فقال: لم يحفظ، إنه دخل وهو يقول: "قاتل الله اليهود، يقولون: الشؤم في ثلاثة" فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله.
قلت: ومكحول لم يسمع من عائشة فهو منقطع؛ لكن روى أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان: أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا: إن أبا هريرة قال: إن رسول الله ﷺ قال: "الطيرة في الفرس والمرأة والدار"، فغضبت غضبًا شديدًا وقالت: ما قاله، وإنما قال: "إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك". انتهى. ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة مع موافقة من ذكرنا من الصحابة له في ذلك، قد تأوله غيرها على أن ذلك سيق لبيان اعتقاد الناس في ذلك، لا أنه إخبار من النبي ﷺ بثبوت ذلك، وسياق الأحاديث الصحيحة المتقدم ذكرها يبعد هذا التأويل.
قال ابن العربي: هذا جواب ساقط؛ لأنه ﷺ لم يبعث ليخبر الناس عن معتقداتهم الماضية والحاصلة؛ وإنما بعث ليعلمهم ما يلزمهم أن يعتقدوه. انتهى.
وأما ما أخرجه الترمذي من حديث حكيم بن معاوية قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "لا شؤم، وقد يكون اليمن في المراة والدار والفرس"، ففي إسناده ضعف مع مخالفته للأحاديث الصحيحة.
وقال عبد الرزاق في مصنفه عن معمر: سمعت من يفسر هذا الحديث يقول: شؤم المرأة إذا كانت غير ولود، وشؤم الفرس إذا لم يغز عليه، وشؤم الدار جار السوء.
وروى أبو داود في الطب عن ابن القاسم عن مالك أنه سئل عنه فقال: كم من دار سكنها ناس فهلكوا. قال المازري: فيحمله مالك على ظاهره، والمعنى: أن قدر الله ربما اتفق ما يكره عند سكنى الدار فتصير في ذلك كالسبب فتسامح في إضافة الشيء إليه اتساعًا. وقال ابن العربي: لم يرد مالك إضافة الشؤم إلى الدار؛ وإنما هو عبارة عن جري العادة فيها، فأشار إلى أنه ينبغي للمرء الخروج عنها صيانة لاعتقاده عن التعلق بالباطل، وقيل: معنى الحديث أن هذه الأشياء يطول تعذيب القلب بها مع كراهة أمرها =
1 / 91