وقد ظل الظمأ العلمي يلاحق نفس العيني على الرغم من كل ما حققه. لذا قام برحلة جديدة إلى دمشق عام ٧٨٥ هـ/ ١٣٨٣ م؛ فالتقى بعلمائها كالبحر أحمد بن إسماعيل بن الكشك، وشرف الدين بن الكويك، والعز بن الكويك، فأخذ عنهم، كما احتك بطلبة المدرسة النورية (^١).
وبعدها رجع مرة ثانية إلى حلب، متحصنا برصيد علمي وافر، جعله جديرة باحترام كوكبة من علماء حلب؛ أمثال الشيخ زين الدين حيدر بن محمد الحنفي، وجمال الدين يوسف الملطى، وأبو الروح عيسي بن الخاص السرماوي، فأجازوا له الإفتاء والتدريس بحلب، ولم يكن عمره تجاوز الخامسة والعشرين.
وفي سنة ٧٨٦ هـ/ ١٣٨٤ م توجه إلى دمشق للتدريس بها ليثبت لعلمائها أنه قادر على العطاء المتجدد. وقد كان له ما أراد. ثم شد رحاله إلى مكة والمدينة لتأدية مناسك الحج والزيارة، وليتزود من علمائهما، وعاد بعد ذلك إلى مسقط رأسه عينتاب، بعد أن أفاد واستفاد.
غير أن حنينًا دينيًا وعلميًا شده لزيارة بيت المقدس فتوجه إليها، فحقق بذلك هدفين: الزيارة، والالتقاء بالشيخ علاء الدين أحمد بن محمد السيرامي الحنفي، فلازمه حتى اقتنع خلالها السيرامي بإمكانيات العيني العلمية، فدعاه للتوجه معه إلى القاهرة، فلم يتردد العيني ولو لحظة واحدة في اقتناص هذه الفرصة، فحضر مع شيخه السيرامي إلى القاهرة سنة ٧٨٨ هـ / ١٣٨٦ م، وانخرط في سلك صوفية المدرسة الظاهرية برقوق، فاستفاد من بقائه بها، إذ كان قريبا من شيخه السيرامي، فقرأ عليه مجموعة من الكتب القديمة في الفقه والأصول والمعاني (^٢). كما أن وجود العيني بالقاهرة أتاح له فرصة اللقاء والأخذ عن بعض علمائها، أمثال: زين الدين عبد الرحيم العراقي، والشيخ عمر بن رسلان، وسراج الدين عمر البلقيني، وقطب الدين عبد الكريم ابن محمد، وعلاء الدين الضوى، وتغري برمش بن يوسف الفقيه، وغيرهم.
_________
(^١) عن المدرسة النورية انظر: النعيمي: الدارس، ج ١، ص ٤٠٦.
(^٢) السخاوي: الضوء اللامع، ج ١٠، ص ١٣١.
1 / 20