112

فحتى الأميرة سعدى ابنة خليفة الزناتي بدأت هي بدورها تحاوطها الهواجس والمخاوف المتنازعة، ما بين حبها للأمير مرعي ابن سلطان بني هلال وبين تلك الكوابيس التي حطت على رأس والدها الزناتي خليفة من تفاقم الموقف، إلى حد المطالبة بعودة دياب بن غانم الذي أصبح والدها الزناتي لا يطيق سماع اسمه. - أبعدوا دياب بن غانم بكل الطرق عن بوابات تونس.

وكثيرا ما فاتحت سعدى صديقتها عزيزة التي لا تخفي عنها خافية بمثل هذه الخواطر، التي أصبحت تتكاثر في الأيام الأخيرة، وهي تحط بمعظمها على كاهل والدها الزناتي، برغم ما يحققه كل يوم لتونس وتوابعها من انتصارات عمت كل الآفاق مشرقا ومغربا، إلا أن ذكر اسم دياب بن غانم أمام الزناتي كان يقلب كيانه كله رأسا على عقب.

بل إن هذا بذاته ما تناهى إلى أسماع سعدى من حبيبها وهو يحادث له يونس مرات عديدة: ماذا يحدث؟! أين دياب؟!

إلى أن لاح بصيص من أمل، فقد تسللت ذات يوم مي الحزينة التي أصبحت تعيش بصحبة عزيزة لا تفارقها لحظة إلى داخل سجن الأميرين لتبلغهما بتمكن خالهما أبي زيد من التسلل خفية إلى داخل العاصمة متنكرا بمساحيقه بصحبة الأميرة الجازية وبضع نساء هلاليات، بغية زيارتهما والاطمئنان عليهما وسماع مشورتهما إزاء ما يحدث.

ولم يمض وقت كثير ومي الحزينة تحادثهما حتى انشقت الأرض عن أبي زيد الهلالي في زي درويش فقير مهلهل الثياب وتقدم منهما مسلما ومرحبا، مستبشرا كعادته لا يكف عن إطلاق نكاته وتهكماته. - سجن ملوكي هذا! سجن على الجرح يا يونس، بالأحضان، هانت، هانت.

ولم تطل بهم دهشتهم، إذ إنهم اندفعوا من فورهم معلنين رفضهم لما يحدث للهلالية نتيجة الخلافات الجوفاء التي قادت إلى هذا الوضع المشين.

بل إن يونس تساءل من فوره مطالبا بعودة الأمير دياب لإنقاذ الوضع الحرج، وتلافي ما يمكن تلافيه اليوم قبل الغد.

وأشار مرعي وهو يصب الكلام في أذني أبي زيد إلى مدى تخوف التونسيين بل والزناتي ذاته من حدث عودة دياب إلى مقدمة المقاتلين، وكيف أنه أصبح في الأيام الأخيرة لا ينام الليل تخوفا من عودته يوما إلى منازلته بفيالقه اليمنية من بني زوغبة.

واندفع يونس صارخا بصوت مجروح خفيض: هل يمكن تصور هذا؟! الزناتي يكلم نفسه تخوفا منه، يكفي هذا ... في هذا كله كفاية لقلب دفة المعارك، وأنت يا خال أبي زيد سيد العارفين.

غمغم أصغرهم يحيى: إنهاء حصار تونس الخلاص.

ناپیژندل شوی مخ