101

وكان أكثر ما أثار ارتيابه هو مدى القوة الضاربة التي تمكن الزناتي وابن أخته العلام بن هضيبة من جمعها واستجلابها بعتادها من قلاع وكيانات وقبائل المغرب، من قابس ودير مكناس، والقيروان، والجزائر، والأندلس.

مما أعاد الثبات والثقة إلى الزناتي الذي ركب رأسه معلنا بدء المعارك قبل أن تدعوه الهلالية إلى ذلك، وكما لو كان على موعد مع الحرب مستعيدا صولاته وجولاته التي عرفت عن «أبي سعدى».

وما إن تجمعت محصلة المعلومات المستجدة التي توصل إليها أبو زيد الهلالي، حتى نقلها من فوره إلى قادة الهلالية ومجلس مشورتهم، مشيرا إلى مدى الأخطار المحدقة، فكل ما حدث لهم من مواجهات وحروب يمكن وضعها في كفة، وما هم مقبلون عليه مع زناتي تونس وحلفائه هو في كفة أخرى.

وأبلغ أبو زيد الهلالي السلطان حسن ومجلس المشورة بمدى التحصينات والجيوش التي تجمعت تحت يدي الزناتي خليفة وابن أخته - الأرقط - العلام بن هضيبة.

توالى وصول القوات والإمدادات المساندة لزناتي تونس على «قرطاج» العاصمة من كل حدب وصوب، بشكل فاق كل توقع، حتى استحالت المدينة إلى قوة ضاربة متقدة حماسا ورغبة في الخروج لملاقاة عرب المشرق.

إلا أن العلام بن هضيبة وقف هذه المرة بالمرصاد محبذا التروي وعدم الانجراف لمجرد الحماس، قبل التعرف على مواضع القوة والضعف لذلك الزحف الذي أطبق على تونس فجأة دون سابق إنذار، بما يشير الى أنه أمر «مبيت» وتم تنفيذه عن سابق تصور وتصميم، وما أولئك المتسللون الغرباء يونس ومرعي ويحيى الذين ما زالوا يحيون هانئين بسجن قصر العزيزة برغم كل ما يحدث؛ سوى مجرد ذريعة تستر تحتها الغزاة الطامعون في تونس وخيراتها ومروجها؛ البقرة الحلوب.

وما إن تعرف العلام - بالتحديد - على مناطق الضعف في ذلك الجيش الجرار، الذي لا يمكن التفريق فيه بوضوح كاف قواته عن عوامه؛ حتى بدأ بسلسلة من الكمائن والحروب الصغيرة، وذلك عن طريق الإغارة هو وقواته على مؤخرة الزحف الهلالي بهدف تقطيع أوصاله واستنزافه.

وهي خطة نجح فيها العلام الي حد إلحاق ضربات محققة بالهلاليين، وذلك بتركيز الالتفاف على مؤخرتهم بدلا من طلائعهم، حيث توجد المؤن والإمدادات أو ما يعرف ب «البوش» من أسلحة وعتاد وثروات وغذاء وخيول وجمال ورءوس أغنام، وكل ما تحتاجه أمة مهاجرة قبل أن تكون جيشا مغيرا أو فاتحا.

وهكذا مضى العلام وفيالقه يوقعون الخسائر تلو الأخرى في «بوش»، عن طريق قتل المواشي ونهب الثروات وإحراق المؤن الغذائية وحظائر رءوس الضأن، بالإضافة إلى سبي الشيوخ والأطفال والنساء والخيول والعتاد والثروات.

وهو ما أثار الذعر والفزع حقا في صفوف الهلالية إلى حد إحداث الانشقاقات والتشتت، مما دفع بالشيوخ والنساء إلى الاستغاثة بالسلطان حسن بن سرحان طالبين الحماية.

ناپیژندل شوی مخ