فيجيب القائد الحكيم الخطير: إن مصر تقود القضية للسلام، والسلام ضدنا، السلام على طريقة عرفات ومبارك وحسين وصدام و242، 338، إنه نفس الطريق إلى الكامب، وإلى الخيانة فاذبحوا الركاب ذبحا، فنحن نريد قطع هذا الطريق، فلو نجحوا لضاعت القضية، ضاعت القضية! أترضون هذا؟!
وبالطبع لا يرضون، وأمرك يا سيدي، هات البنادق والقنابل، وإلى اللقاء المرتقب في أثينا. البطل المجهول الثاني، يوناني أرزقي، عرضوا عليه كذا ألفا لقاء أن يحمل لفافة من طائرة عربية إلى طائرة عربية أخرى رابضة بجوارها تماما.
يوناني كادح، ماذا يهمه هو، أن تنتقل لفافة مهما كانت محتوياتها، من عربي إلى عربي، أو حتى من يهودي الموساد إلى عربي طالما سيقبض مبلغا من المال يضمن له العيش المريح لعدة سنين؟! ولو علم أن بالطائرة ثلاثة عشر يونانيا سيدفعون بأرواحهم وبأطفالهم ثمن هذه السنوات المريحة، ربما كان قد تردد، ولكن مثلما الحب يعمي ويصم، فالمال أيضا يعمي، خاصة الضمائر، ويصمها.
وهكذا ترتحل الطائرة، حاملة في جعبتها كل متناقضات العالم العربي والعالم عامة، عربا وإسرائيليين وأمريكان، ويونانيين، وحتى فلبينيين وخادمات فلبينيات، لتكمل المأساة.
وهكذا تتحول القضية العربية والفلسطينية من مقالات يدبجها إخواننا الكتاب والمفكرون العرب، مقالات تستهلك مئات الملايين من الكلمات، وآلاف التحليلات والتصورات، ومئات الخطب والتصريحات، تتحول وتصبح كائنات حية، نفذت كل هذه المجاري من الكتابات والتصورات إلى كياناتها الداخلية، وأصبحت الخطب بشرا، وأصبح الاستنكار قنبلة ومسدسا، وأصبحت القضية من كفاح رهيب في سبيل الحق والعدل والحرية إلى أبشع قيم مما قد يحفل بها قلب بشر، ألا وهي أن نأخذ الشخص البريء بذنب المسيء، وأن يواجه الأعزل ويقتل بالسلاح في وجهه وأمام عينيه، لا يصبح في قلب أي إنسان ذرة من بطولة أو شهامة أو إنسانية، إنما هي الكراهية العمياء في أحط صورها، إنما هي الكائن البشري حين يتحول إلى الإجرام وسيلة لحل قضية مقدسة.
في غمضة عين كانت الطائرة مخطوفة.
وكان الأبطال المغاوير الثلاثة قد سيطروا على الموقف تماما وألقوا أبشع أنواع الرعب في قلوب الركاب، وحتى في قلب موظفي الأمن، فما بالك بقائد الطائرة الذي يحس بالمسئولية الأكبر والأضخم.
أمن السهل على أي إنسان أن يجلس إلى هذا المكتب، بعيدا عن المكان والأزمان، مستريح الخاطر إلى أنه في أمان تام، ويتحدث عن هذا الذي حدث داخل الطائرة؟! مستحيل!
إن أي رفة جناح لطائرة عادية، أو أي مطب هوائي تصادفه يسقط قلوب ركابها جميعا، مهما بلغت شجاعتهم، فما بالك والأمر أمر اختطاف، أمر حيوانات بشرية عمياء، في أيديها أسلحة فتاكة، استولت على الركاب والطائرة والمصير، والمصير والطائرة والركاب معلقون بين السماء والأرض؟!
إن البشر لا يتصرفون بنفس الطريقة في كل المواقف، فالموقف المباغت خاصة لو كان يتهدد صميم حياة الشخص يجعله يتصرف بطريقة لا علاقة لها بتصرفاته العادية أو حتى صفاته، فالشجاع قد ينقلب جبانا، والخائف يتحول إلى جبان أخرق، ومن الإنسان العادي قد يولد بطل، ومن المفروض أنه بطل يتمخض الأمر عن فأر صغير مذعور.
ناپیژندل شوی مخ