وهكذا كل ما بقي على الإعلام ليفعله، وهو يفعله، أن تخرج المذيعة على الجمهور وتقول: إذا كانت عندك مشكلة عقاقير (لاحظوا كلمة «مشكلة») فاتصل بتليفون رقم كذا، تصلك سيارة ، ودع الباقي لنا، لا مناظر تحشيش، أو شم الكوكايين أو هيرويين، ولا شيش، ولا أنابيب، ولا هذا الكلام الخطير الفارغ الذي ملأنا به عقول الشباب البريء طوال الأيام السابقة.
ذلك أنهم هناك يعتبرون من يتعود استعمال هذه العقاقير إنسانا مريضا لم تلده أمه مدمنا، وإنما هناك ظروف اجتماعية واقتصادية، وفي مجتمعاتنا سياسة دفعت الحائر التائه، هو هكذا، لأنه لا يعرف له هدفا في الحياة، ولا يريد أحد أن يساعده على إيجاد هدف له في الحياة، وفي مجتمع كمجتمعنا العمل فيه قليل جدا، والفراغ واسع وممتد جدا من السهل تماما أن ينزلق المرء إلى فكرة أن يكون له هدف صناعي، يستيقظ من أجل تناوله، ويكسب كيفما كان مصدر النقود ليشتريه، ويشقى ويعمل أقل وقت ممكن لينفرد بالعقار هدفه ومحبوبه، ويعطي له نفسه تماما طوال ما تبقى من ساعات النهار والليل، وكأنه وجد بغيته، وكأنه وجد له الهدف التائه، وكأنه كان ضالا فهدي.
ولا أستطيع أن أنهي هذه الكلمة تلك التي تتصدى لمعالجتنا الخاطئة لإحدى مشاكلنا الطارئة، دون أن أذكر مقالا قرأته لأستاذ ورئيس قسم الأمراض العصبية والنفسية في إحدى كليات الطب بمناسبة الخمر المسمومة؛ يقول هذا العلامة الذي مهمته أن يدرس العلاج لطلبته كيف يعالجون من يعاقرون الخمر باعتبارهم مرضى: إن هذا السم هو الانتقام من هؤلاء الذين يشربون الخمر، ويدعو الله في النهاية أن يميت كل من يشرب الخمر، مسمومة أم غير مسمومة!
تصوروا هذا رأي أستاذ ورئيس قسم؛ بمعنى أنه لو ذهب له مريض يشرب الخمر مفروض أن يعامله كمريض وينتشله من عثرته، إنما حسبما كتب ورأى سيعالجه بأن يدس له السم في كأس خمر فيميته ويريح الدنيا من عاص كبير!
إن الحد الذي أقامه الله، سبحانه وتعالى، لمتعاطي الخمر هو أن يجلد، ولكن هذا الأستاذ - ولا أدري كيف مرت هذه القصة على مجلس جامعة القاهرة الموقر! - يعالج متعاطي الخمر بقتله أي بارتكاب معصية أكبر، أكبر معصية، قتل النفس!
وكأن هذا هو الإسلام!
إنه الجهل بالإسلام، والجهل بالعلم ، والجهل بالمرض، والجهل بمعالجة الأمراض الاجتماعية والصحية والنفسية التي تصيب الخلق لأسباب كثيرة لا يعلمها سوى الله.
المساحة الحرجة
ظللت لا أعرف لماذا كنت من صغري أحب التجمعات البشرية، كحبي للأشخاص الأفراد، وأعشق وجودي بينها وإحساسي بها، في الأفراح والموالد والأعياد، وحتى في المآتم والجنازات والقهاوي، أحب أن أكون واحدا من كل كبير حلو الروح، المرح فيه بحر أو بحيرة مقدسة كبيرة، ينعم الجميع بالاستحمام فيها؛ إذ هو مرح «عام» وليس مرحا فرديا خاصا محدود الأثر.
ظللت لا أعرف لماذا كنت، إلى عهد قريب، أحب تلك التجمعات، والآن أصبحت أضيق بها، إلى أن وجدت الإجابة في مهرجان جرش.
ناپیژندل شوی مخ