234

تاريخ الوزارات المأمونية (1) توطئة

لسنا نريد أن نتكلم عن تاريخ الوزارة ومكانتها في العصر العباسي، فقد تعرض لدرسها كثيرون نذكر منهم ، على سبيل التمثيل، الأستاذ «برون» في كتابه تاريخ الفرس الأدبي، والمؤرخ ابن طباطبا في الآداب السلطانية، وإنما قصارى ما نرمى إليه كتابة فذلكة موجزة عن حياة البارزين من وزراء المأمون، حتى تقف بذلك على صورة كاملة قدر المستطاع عن العصر الذي تصدرنا للكتابة عنه ومكانة رجالاته البارزين فيه فنقول:

وزارتا الفضل بن سهل وأخيه الحسن

يحدثنا التاريخ أن أول وزراء المأمون الفضل بن سهل، وهو من رجال جعفر البرمكي، فلا غرو إذا نزع في سياسة الملك منزع البرامكة، ولا غرو إذا ائتم بهم وتلا تلوهم في تدبير أمور السلطان، ولا غرو إذا كانت دولة بني سهل غرة في جبين الدهر ودرة على مفرق العصر؛ لأنها كانت كما يقول الفخري: مختصر الدولة البرمكية.

أما طريقة اتصاله بالمأمون، فإن المظان التاريخية والأدبية تحدثنا أن جعفرا البرمكي لما عزم على استخدامه للمأمون وصفه يحيى بن خالد بحضرة الرشيد، فقال له الرشيد: أوصله إلي، فلما وصل إليه أدركته حيرة فسكت، فنظر الرشيد إلى يحيى نظر منكر لاختياره، فقال ابن سهل: يا أمير المؤمنين، إن من أعدل الشواهد على فراهة المملوك أن يملك قلبه هيبة سيده، فقال الرشيد: لئن كنت سكت لتصوغ هذا الكلام فلقد أحسنت، وإن كان بديهة إنه لأحسن وأحسن، ثم لم يسأله بعد ذلك عن شيء إلا أجابه بما يصدق وصف يحيى له.

ويروي لنا أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، وهو - كما تعلم - شيخ من مشيخة الأدب والبيان في عصرنا المأموني، في كتابه «الحيوان»: أن جعفرا الضبي وصف الفضل بن سهل بقوله: أيها الأمير، أسكتني عن وصفك تساوي أفعالك في السؤدد، وحيرني فيها كثرة عددها، فليس إلى ذكر جميعها سبيل، وإن أردت وصف واحدة اعترضت أختها إذ لم تكن الأولى أحق بالذكر، ولست أصفها إلا بإظهار العجز عن وصفها.

ويقول ابن طباطبا: إن الفضل كان سخيا كريما يجاري البرامكة في جوده، شديد العقوبة، سهل الانعطاف، حليما بليغا عالما بآداب الملوك، بصيرا جيد الحدس محصلا للأموال، وكان يقال له: الوزير الأمير.

وكان الفضل بن سهل يتشيع كمذهب غالب الفرس، وكانت له إصابة حسنة بعلم النجوم، كما أسلفنا لك القول في كلمتنا عن المأمون في صباه، ومما يؤيد ذلك ما رواه أبو الحسين علي بن أحمد السلامي في تاريخ ولاة خراسان، أن المأمون لما عزم على إرسال طاهر بن الحسين إلى محاربة أخيه محمد الأمين، نظر الفضل بن سهل في مسألته، فوجد الدليل في وسط السماء، وكان ذا يمينين، فأخبر المأمون بأن طاهرا يظفر بالأمين ويلقب بذي اليمينين، فتعجب المأمون من إصابة الفضل ولقب طاهرا بذلك.

وكان الفضل بن سهل شبيها بأساتذته البرامكة في رفد الشعراء وتشجيع الشعر، وكان منتجع القصاد منهم قبل وزارته، فإن كتب الأدب تحدثنا أن مسلم بن الوليد قال فيه حين ذاك وكان من ندمائه وسماره:

وقائل ليست له همة

ناپیژندل شوی مخ