120

فأما علاقته بالروم فقد أشارت دائرة المعارف الإسلامية، في مبحثها عن الرشيد، إلى أن حروبا بلغت نهاية الشدة قد وقعت بين الرشيد والبزنطيين، وقالت: إن ولاة الرشيد عملوا منذ بداية عهده على تقوية الحصون التي على الحدود، وأنهم كانوا يقومون بغزوات في البقاع المعادية من غير أن يربحوا غنائم مستديمة، وأن الرشيد غزاهم بنفسه سنة 181ه (797-798م)، بيد أنه عجل بعودته، ثم شبت حرب في السنة التالية كالعادة، وإذ كانت الإمبراطورة إيرين كانت تعاني متاعب داخلية، فقد عجلت بالصلح على أن تدفع الجزية.

على أن هذا الصلح لم يدم إلا ريثما تبوأ الإمبراطور نيقفور أريكته سنة 186ه/802م؛ فقد بعث إلى الخليفة بكتاب مهين طلب فيه أن يعيد إليه الجزية التي أديت من قبل، فلم يحفل الخليفة بشروط الصلح، فعادت الحروب.

وفي سنة 190ه/806م استولى هارون على «هرقلة»، واضطر الإمبراطور إلى أن يدفع جزية جديدة عن نفسه وعن أسرته فوق الجزية العامة، وفي السنة التالية هزم البزنطيون يزيد بن مقلد، وكانت أغلاط هرثمة معهم مماثلة لأغلاط «ابن مقلد».

ويقول بعض المؤرخين الغربيين: إن هارون كان على علاقة حسنة بشرلمان، وقد ذكر أن كليهما كان يبعث سفيرا عند الآخر، على أنه لم يرد ذكر لذلك في المراجع العربية، وإنه ليشك كثيرا في صحة هذه الرواية.

وأما علاقته بالأمويين في الأندلس، فلم يكن مرجوا أن تكون علاقة صفاء ومودة، فقد كان العباسيون يعدونهم خارجين على سلطانهم، ولا يرون في دولتهم نظيرا يستحق أن يعيش وإياهم في سلام وهدوء.

وقد ظهرت أيام الرشيد دولة الأدراسة في المغرب الأقصى، وذلك أن إدريس بن عبد الله كان ممن هرب من وقعة «فخ» - وهو أخو يحيى بن عبد الله - فسار إلى مصر وشخص منها إلى بلاد المغرب الأقصى، حيث التف حوله برابرة أوروبة، فأنشأ هناك أول خلافة للعلويين، وهي دولة الأدراسة.

وظهرت كذلك أيام الرشيد دولة الأغالبة في إفريقية، فإنه ولاها إبراهيم بن الأغلب التميمي ليجعل من مملكته حاجزا منيعا بين الخلافة العباسية والأدارسة الذين بالمغرب الأقصى، وكذلك بينه وبين الأندلسيين، وكانت توليته سنة أربع وثمانين ومائة، فعظم أمره، وصار كملك مستقل، إلا أنه كان يخطب للرشيد. (3) التكلم عن البيعة

والآن نتحدث إليك عن أكبر أغلاط الرشيد، وأبعدها أثرا في حياته وفي الدولة العباسية، بل في حياة المسلمين السياسية بوجه عام، وهي بيعته بولاية العهد الثلاثية لأبنائه: الأمين والمأمون والقاسم.

وقد قدمنا لك في الكتاب الأول رأينا في هذا النوع من احتياط الخلفاء لأنفسهم ولأبنائهم، وما كان له من الأثر السيئ في حياة القصور خاصة، وفي السياسة عامة، ولا سيما البيعة بولاية العهد لأكثر من واحد، فقد كان ذلك ينشئ بطانات مختلفة، ويكون أحزابا لا تلتف حول مبدأ أو فكرة، وإنما تلتف حول الأشخاص والمنافع التي تنتظر منهم.

وهذه البطانات والأحزاب تتنافس في القصر، فتفسد على الخليفة والأمراء حياتهم الخاصة، وتقطع ما بينهم من صلات كان يجب أن ترعى حرمتها، كما أنها تتنافس خارج القصر، فتفسد على الدولة سياستها العامة فتصرفها عن مرافقها الداخلية، كما تصرفها عن الاحتياط لحماية الثغور والاحتفاظ بمهابتها الخارجية.

ناپیژندل شوی مخ