والآن نرى - في عنقنا - أن نتحدث إليك في أمور أربعة قد تفيدك في عهد الرشيد عامة، وربما أفادت في تفهم عصر المأمون خاصة؛ وهي: (1)
حقيقة السياسة الداخلية في عصر الرشيد. (2)
السياسة الخارجية. (3)
التكلم عن بيعة الرشيد للأمين والمأمون والقاسم. (4)
التكلم عن الدولة البرمكية والنكبة البرمكية.
وسنتوخى الإيجاز المقنع من غير إخلال بما لا يليق بنا الإخلال به، ولا سيما باب بيعات الرشيد؛ فإنا لا نرى مندوحة من إثبات نصوصها؛ لما لها من الخطر من حيث إنها أثر تاريخي خليق بالدارسة والبحث. (1) السياسة الداخلية
أنت جد عالم بما كان من تطلع الطالبيين للخلافة، وقد مر بك القول في تحفزاتهم وخروجهم وحروبهم للخليفة العباسي الجالس على العرش كلما واتتهم الفرص وأمكنتهم الأحوال.
وأنت جد عالم أن الخلفاء ما كانوا يركنون إلى جانبهم نفاسا وتباغضا، واصطداما للمصلحة الخاصة وتعارضا، بيد أن الرشيد - وهو الرءوم بسجيته، المجبول على الخير بنزعته - رأى في أول عهده أن يحدب عليهم، ويستل سخيمة العداوة من قلوبهم، فرفع الحجر عمن كان منهم ببغداد وسيرهم إلى المدينة، ما عدا العباس بن الحسن بن عبد الله، وكان أبوه مع ذلك فيمن أشخص إلى المدينة.
لم يشجع الطالبيون الرشيد على الاستمرار على خطته تلك، بل كان من بعضهم ما دفعه إلى تغيير خطته السديدة؛ إذ خرج عليه يحيى بن عبد الله - أحد الناجين من وقعة «فخ» التي كانت في أيام الهادي، ونزح إلى بلاد الديلم حيث قويت شوكته، واشتد ساعده، وهرع إليه الناس من الأمصار والكور - فاغتم الرشيد لذلك أيما اغتمام وترك، فيما يقول الرواة، شرب النبيذ، ثم ندب إلى قتاله الفضل بن يحيى بن خالد في خمسين ألفا، ومعه من القواد صناديدهم، ومن الجند شجعانهم، فسار سمت يحيى، فكاتبه ورفق به واستماله وبسط أمله، وكاتب صاحب الديلم وجعل له ألف ألف درهم على أن يسهل له خروج يحيى وحملت إليه، فأجاب يحيى إلى الصلح والخروج، على أن يكتب له الرشيد أمانا بخطه، فبادر الفضل برفع ذلك إلى الرشيد، فأثلج فؤاده، وعظم موقعه لديه، وكتب أمانا ليحيى بن عبد الله وأشهد عليه القضاة والفقهاء وجلة بني هاشم ومشايخهم، منهم عبد الصمد بن علي والعباس بن محمد ومحمد بن إبراهيم ومن أشبههم، ووجه به مع جوائز وكرامات وهدايا، فوجه الفضل بذلك إليه، فقدم يحيى بن عبد الله عليه.
وفي رواية أخرى أن يحيى بن عبد الله لما رأى الرشيد قد كتب إلى صاحب الديلم يطلبه منه ويتهدده، وأنه قد اشتد في مطاردته واقتفاء أثره، طلب الأمان من الفضل، فأمنه وحمله إلى الرشيد.
ناپیژندل شوی مخ