ولذلك روي في بعض الأحاديث: «غاية الجود بذل الموجود والرضا عن المعبود» ولذلك قال عز وجل: ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة [9/ الحشر: 59].
والثالث: أن الهاء راجعة إلى الإطعام المقتص من قوله: ويطعمون أي ويطعمون الطعام على حب الإطعام، أي يفعلون ويحبون ذلك الفعل منهم ويختارونه على ضده، وهذا غاية الكرم والجود وذلك لأنه ربما يطعم المرء وهو غير مختار ويتمنى غير ذلك منه فإذا أطعم وأحب ذلك الفعل فكأنه أحب دوام ذلك منه وملازمته ولا يتمنى من نفسه مفارقته، ونظيره من الكلام قول الشاعر:
إذا نهي السفيه جرى إليه
وخالف والسفيه إلى خلاف
أراد/ 66/ جرى إلى السفه المقتص من قوله «السفيه» ويرجع بالكناية إلى المضمر المقتص.
وأما الجواب عن قولهم: كيف يليق بالمرتضى وذويه أن يقولوا للسائلين:
إنما نطعمكم لوجه الله وإن ذلك يشير إلى المن وفيه شمة من الرياء والسمعة وقد نهى الله سبحانه عنهما بقوله: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى [264/ البقرة: 2] وقال: ولا يشرك بعبادة ربه أحدا [110/ الكهف: 18].
فهو إنا نقول لهم: إن المرتضى (رضوان الله عليه) وذويه لم ينطقوا بذلك ولا قالوا بألسنتهم، ولكنهم قالوا ذلك بقلوبهم مضمرين، وأسروه بضمائرهم مخلصين (1) فأخبر الله عنهم بذلك ومدحهم بالإخلاص وأثنى عليهم في الناس من بين المطيع والعاصي، ليبقى ذلك لهم أبدا ولا ينقطع ذكره به في الدهر المديد ، ولو
مخ ۵۳