مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
وسماته (1) أصدق السمات، وأصله أزكى الأصول، وعقله أصفى العقول، ونعته أزهر النعوت، وبيته أطهر البيوت، وأولاده أكرم الأولاد وأحفاده أعظم الأحفاد، وأوتاده أفخم الأوتاد، وأزواجه خير الأزواج، ومنهاجه أصوب المنهاج، وهو صاحب البراق والمعراج، وكتابه أحسن الكتب، وخطابه أزين الخطب، ورتبته أرفع الرتب.
زين الله بهم العالم، وأنطق بفضلهم اللبيب والعالم، ونبه بهم الوسنان والحالم (2).
ف(صلوات الله عليه) ما دام الخالدان، وكر الجديدان، وعلى إله الطاهرين، وأصحابه الزاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وسلامه عليهم/ 2/ أجمعين، وعلى الأنبياء والمرسلين.
قال الشيخ الإمام زين السنة والإسلام وحيد عصره وفريد دهره أبو محمد أحمد بن محمد بن على العاصمي (قدس الله روحه ونور ضريحه):
أما بعد، فقد سألني بعض من أوجبت في الله سبحانه حقه وذمامه، وألزمت نفسي إتحافه وإكرامه، لما اتفق في الاختلاف إلينا أيامه، أن أذكر له نكتا من شرح سورة «الإنسان»، وأجعل ذلك إليه من غرر الصنائع والإحسان، بعد ما رآني لحظت بعض فوائد سورة «الرحمن»، واستخرجت أصولا في علوم القرآن، ثم راجعني فيه مرة بعد أخرى، ليكون ذلك له عظة وذكرى، فرأيت الاشتغال بإسعافه أولى وأحرى، مراعاة لحقوقه وحقوق أسلافه، ومبادرة إلى إنعامه وإتحافه، ومحاماة على أوليائه وأخلافه، فابتدأت بعد الاستخارة، معتصما بالله
مخ ۱۰
سبحانه، فإنه نعم المولى ونعم النصير، وراغبا إليه فيما وعد من الأجر، فإن ذلك عليه سهل يسير، وهو على ما يشاء قدير.
ولقد كان من أوكد ما دعاني إليه، وأشد ما حداني عليه- بعد الذي قدمت ذكره وثبت أمره- ظن بعض الجهلة الأغتام (1)، والغفلة الذين هم في بلادة الأغنام، بنا معاشر آل الكرام، وجماعة أهل السنة والجماعة الاحكام (2)، أنا نستجيز الوقيعة في المرتضى/ 3/ (رضوان الله عليه) وحباه خير ما لديه، وفي أولاده ثم في شعبه وأحفاده.
وكيف أستجيز ذلك؟ وهو الذي قال [فيه] النبي صلى الله عليه: «من كنت مولاه فعلي مولاه» وهذا حديث تلقته الأمة بالقبول وهو موافق للأصول (3).
مخ ۱۱
[1]- أخبرنا الشيخ الزاهد جدي أبو عبد الله أحمد بن المهاجر بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه قال: أخبرنا الشيخ الزاهد أبو علي الهروي الأديب، عن عبد الله بن عروة قال: حدثنا يوسف بن موسى القطان، عن مالك بن إسماعيل قال: حدثنا جعفر بن زياد الأحمر، عن يزيد بن أبي زياد وعن مسلم بن سالم قالا: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:
سمعت عليا (كرم الله وجهه) ينشد الناس [و] يقول: أنشد كل امرئ مسلم سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم يقول [ما قال] إلا قام [فشهد به].
فقام اثنا عشر بدريا فقالوا: أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد علي فرفعها ثم قال: أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «اللهم من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه».
[2]- وأخبرني الصالح أبو بكر محمد بن أحمد الجلاب (رحمه الله) قال: أخبرنا
مخ ۱۲
أبو سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي الصوفي في شهر رمضان سنة خمس وسبعين وثلاث مائة قال: أخبرنا أبو أحمد [عبد الرحمن بن علي بن محمد المعروف با] بابن منينة النيسابوري السمسار قال:/ 4/ أخبرنا أبو جعفر الحضرمي قال: حدثنا علي بن سعيد الكندي قال: حدثنا جرير بن السري بن إسماعيل الهمداني قال: حدثنا أبي، عن سعيد بن وهب الهمداني قال:
نشد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) الناس بالرحبة فقال: أنشد الله رجلا سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه».
فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا.
[3]- وأخبرني شيخي محمد بن أحمد الجلاب (رحمه الله) قال: أخبرنا أبو أحمد
مخ ۱۳
الهمداني قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار قال: حدثنا أحمد بن مهران قال: حدثنا علي بن قادم قال: حدثنا فطر قال: حدثنا أبو الطفيل [عامر بن واثلة] قال:
شهدت عليا في الرحبة قال: أنشد الله رجلا [سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)] يوم غدير خم يقول ما قال إلا قام.
قال: فقام قوم فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه قال يوم غدير خم: «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه».
[قال أبو الطفيل:] فقمت وكان في نفسي شيء فلقيت زيد بن أرقم فأخبرته بما قال علي فقال: وما ينكر؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه يقوله.
ولهذا الحديث طرق سوى ما ذكرناه، ويأتيك في الفصل الخامس من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل (1).
وإنما وقعوا إلى هذا الظن الفاسد (2) من جهلهم وقلة علمهم وسخافة عقلهم وعدم التمييز بين الردي الرذل والسني الجزل/ 5/.
4- أخبرني شيخي محمد بن أحمد قال: أخبرنا علي بن إبراهيم بن علي قال:
مخ ۱۴
أخبرنا أحمد بن محمد ابن بالويه العفصي (1) قال: حدثنا جعفر بن محمد بن سوار قال: أخبرنا أحمد بن نصر قال: أخبرنا محمد بن معاوية قال: حدثنا يحيى بن سابق المدني، عن زيد بن أسلم، عن نافع، عن عبد الله بن عمر قال:
مخ ۱۵
قال رسول الله صلى الله عليه: «يا علي أنت في الجنة، يا علي أنت في الجنة، يا علي أنت في الجنة، وسيجيء قوم من بعدي يسمون الرافضة فإن أنت أدركتهم فاقتلهم فإنهم مشركون. قال: قلت: وما آية ذلك؟ قال: لا يرون جمعة ولا جماعة ويشتمون أبا بكر وعمر».
5- وأخبرني شيخي محمد بن أحمد (رحمه الله) قال: أخبرنا أبو سعيد الرازي قال: حدثنا محمد بن عبد الله الصفار قال: حدثنا أحمد بن مهران قال: حدثنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن زر بن حبيش:
عن علي [(عليه السلام)] قال: «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد إلي النبي
مخ ۱۶
(صلى الله عليه وآله وسلم) انه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق».
مخ ۱۷
[6]- وأخبرني شيخي محمد بن أحمد قال: أخبرنا أبو سعيد الرازي قال: حدثنا أبو الحسن الشعراني العماري- من ولد عمار بن ياسر- قال: حدثنا إبراهيم بن المولد الرقي الصوفي قال: حدثنا الحسن بن/ 18/ علي بن عفان قال: حدثنا عبد الله ابن نمير، عن الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن زر بن حبيش قال:
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: «والله إنه لعهد إلي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه لا يبغضني إلا منافق ولا يحبني إلا مؤمن».
إذا ما التبر حك على محك
تبين غشه من غير شك
وفينا الغش والذهب المصفى
علي بيننا شبه المحك
مخ ۲۵
[7]- وأخبرني شيخي محمد بن أحمد (رحمه الله) قال: أخبرنا أبو سعيد قال:
حدثنا أبو الحسن الشعراني قال: حدثنا إبراهيم بن المولد قال: حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا ابن نمير، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري:
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «يهلك في رجلان:
محب مفرط ومبغض مفتر».
مخ ۲۶
[8]- وأخبرني شيخي محمد بن أحمد قال: أخبرنا أبو أحمد قال: حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله الخياط قال: حدثنا أحمد بن محمد بن نصر قال: حدثنا علي بن الجعد قال: أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري:
عن علي [(عليه السلام)] قال: «يهلك في اثنان: عدو مبغض ومحب مفرط».
ولهذا الحديث طرق سوى ما ذكرناه نذكرها في الفصل الخامس من هذا الكتاب إن شاء الله.
وأنشدني شيخي الإمام أبو رجاء (رحمه الله):
علي رضي له دولة
يقص على دينه مفتر
فمن مبغض أو محب له
ومن ذي وذاك علي بري
وأنشدني أيضا (رحمه الله):
ليس الترفض من شأني ولا وطري
ولا التنصب من همي ولا فكري
ولست منطويا والله/ 19/ يعلمه
على انتقاص أبي بكر ولا عمر
مخ ۲۷
لكن آل رسول الله حبهم
يحل مني محل السمع والبصر
فارعني أيها السائل الحاذق سمعك (1) ولا تسلط عليك طبعك، فإن العقل ميزان الله في الأرض يتبين النقص والرجحان، وعنه يستخرج الفوز والخسران، فطوبى لمن كان عقله أميرا وهواه أسيرا، وإياك ثم إياك أن تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب (2).
وتأمل هذا الكتاب الذي أسسنا وما فيه من الفصول والأبواب على ما رتبناه فإنك تقف به على فوائد كثيرة ومعان غفيرة (3).
وسميته «زين الفتى في شرح سورة هل أتى ».
ومدار هذا الكتاب على عشرة فصول:
الفصل الأول: في ذكر نزول وعدد آيات السورة وحروفها وكلماتها وثواب قارئها.
الفصل الثاني: في ذكر إعراب هذه السورة ومواضع الوقوف منها.
الفصل الثالث: في ذكر بعض فوائد هذه السورة على وجه الإيجاز والاختصار.
الفصل الرابع: في ذكر نظم هذه السورة وتلفيق آياتها وخصائصها.
الفصل الخامس: في ذكر مشابه المرتضى (رضوان الله تعالى عليه).
الفصل السادس: في ذكر أسامي المرتضى (كرم الله وجهه)، وتلخيصها؟.
مخ ۲۸
الفصل السابع: في ذكر خصائص المرتضى/ 20/ نور الله حفرته، وتفصيلها.
الفصل الثامن: في ذكر خصائص السبطين وفضائلهما.
الفصل التاسع: في فضائل أهل البيت والعترة وبيان الشيعة وذكر شعار أهل السنة المروية عن أهل البيت وبسط القول فيها.
الفصل العاشر: في فضائل الصحابة وفي مذمة من يطعن فيهم.
فهذه عشرة فصول لكل فصل منها قواعد من نكت وأصول ألفت فيها، اختصرناها ليكون الكتاب نافعا جامعا، وعن ظنون السوء بنا دافعا قامعا، وبالله التوفيق والتأييد ومنه العصمة والتسديد، وهو الملك المجيد المبدئ المعيد.
مخ ۲۹
الفصل الأول: في ذكر النزول
اعلم أن أولى ما يبتدأ بالتكلم فيه من هذه السورة، وأهمها عند العقل والبصيرة، الكلام في نزول هذه السورة، فإن الناس قد تكلموا فيه وكثرت نتائجه وحواشيه، فمن قائل انها مكية النزول وإذا كانت مكية فلا يستقيم القول بأنها نزلت في المرتضى وسبطيه لأنه تعالى قال: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا .
قالوا: وكيف يستقيم ذلك وإن أصحاب الرسول ما داموا بمكة، فإنهم كانوا في ذل وإسار، وضعف وصغار، حتى اضطرهم ذلك إلى الانتشار وتخلية الدار، والهجرة إلى الحبشة وإلى الأنصار، كما هو مشهور عند أهل التاريخ والأخبار، وكما/ 21/ ذكر عن عمار بن ياسر وأبويه، وقول النبي صلى الله عليه لهم حين كان يمر بهم: «صبرا يا آل ياسر»، وكذلك سائر المعذبين في الله سبحانه، وقد كانوا يضربون بلالا ويسحبونه على وجهه بحبل شد في رجليه و[هو] يقول: أحد أحد، فكيف كان تكون لهم أسارى وإنهم قد كانوا بما ينالهم من المشركين حيارى، كفاك ما قد كان يحل برسول الله صلى الله عليه من الضرب والخنق والسب.
9- أخبرنا أحمد بن إسحاق بن جمع قال: أخبرنا الشيخ محمد بن صاحب (رحمه الله) قال: أخبرنا مكحول بن الفضل، عن محمد بن الوارث، عن عبيد الله بن سعد بن إبراهيم قال: حدثنا عمي، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن
مخ ۳۰
عروة بن الزبير، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قلت له: ما أكثر ما رأيت قريشا أصابوا من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما كانوا يظهرون من عداوته؟ قال: حضرتهم وقد اجتمعوا أشرافهم يوما في الحجر، فذكروا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط! سفه أحلامنا وشتم آبائنا وعاب ديننا وفرق جماعتنا وسب الهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم أو كما قالوا (1).
فبينا هم كذلك، إذا طلع النبي صلى الله عليه فأقبل يمشي حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفا بالبيت، فلما أن مر بهم غمزوه ببعض القول، قال/ 22/: فعرفت في وجه رسول الله صلى الله عليه ثم مضى، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم مضى، ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها فوقف [عليهم النبي (صلى الله عليه وسلم)] ثم قال لهم: أتسمعون يا معشر قريش؟ أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح!!!
قال: فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا لكأنما على رأسه طائرا واقعا حتى أن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه (2) بأحسن ما يجد من القول حتى أنه ليقول: يا أبا القاسم انصرف راشدا فو الله ما كنت جهولا!!!
مخ ۳۱
قال: فانصرف رسول الله صلى الله عليه حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم منه إذا باداكم بما تكرهون تركتموه، فبينا هم كذلك إذا طلع رسول الله صلى الله عليه فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا؟ لما كان يبلغهم عنه من عيب الهتهم ودينهم (1). قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه: نعم أنا الذي أقول ذلك.
قال: فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمع ردائه، قال: فقام أبو بكر دونه وهو يبكي ويقول: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ (2) قال: ثم انصرفوا عنه، فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشا بلغت منه قط؟! (3).
قال ابن اسحاق: وحدثني بعض أن أم كلثوم بنت أبي بكر أنها كانت تحدث قالت: لقد رجع أبو بكر ذلك اليوم ولقد/ 23/ صدعوا فؤادي رأسه مما جذبوه بناصيته وكان رجلا كثير الشعر (4).
وعن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه؟ قال: فبينما رسول الله صلى الله عليه ذات يوم في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنق النبي صلى الله عليه فخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد
مخ ۳۲
جاءكم بالبينات من ربكم .
قالوا: فإنه قد كانت أحوال النبي صلى الله عليه بمكة كذلك فكيف يمكن أن كانت؟ له بها أسرى؟!
وقالوا أيضا: إنه ذكر في حديث اليتيم [الواردة في القصة] أنه [قال:] استشهد والدي يوم العقبة ولم تكن تلك الواقعة إلا بعد الهجرة لأن الرسول (عليه السلام) لم يؤذن له في القتال مدة مقامه بمكة.
ومن قائل قال: إن بعض المفسرين يقول في قوله تعالى: إن الأبرار يشربون من كأس إلى آخر القصة أنها نزلت في رجل من الأنصار وربما سموا ذلك الرجل.
ومن قائل قال: إنها مبهمة في الألفاظ فلا يخص إلا بدليل لأنه قال: إن الأبرار فجمع ولم يقل: «إن البار» فيكون فيه إشارة إلى واحد بعينه.
وكذلك قالوا: في يشربون و يوفون ويخافون و يطعمون إلى/ 24/ آخر اشكالها.
ومن قائل قال: إن المرتضى وأولاده والزهراء (رضوان الله عليهم) كانوا أرفع درجة وأعلى رتبة من أن يسموا ب «الأبرار»!
قالوا: ألا ترى أنه قال رضى الله عنه: «أنا الصديق الأكبر» وليس في تسميتهم ب «الأبرار» إعلاء لدرجاتهم ولا رفعا لشؤونهم وصفاتهم!!!
وقالوا: ألا ترى أنه ابتدأ بذكر الشراب وليس الشراب من أعالى الثواب.
وقالوا أيضا: ألا ترى أنه قال: عينا يشرب بها عباد الله وليست هذه من الأوصاف العالية! لأن اسم المؤمن والمتقي أرفع منه لاشتمال سمة العبد على الكافر والمؤمن!!
ثم قالوا: ومدحهم أيضا بالإيفاء بالنذر، والخوف من القيامة، ثم بالإطعام وليست هي من أعالي المناقب والإكرام.
قالوا: أولا ترى أنه جعل إطعامهم للمسكين والأسير واليتيم؟ وليست الثلاثة من أفاضل الأمم الموصوفين بالتعظيم، لأن فيهم الكافر والطفل الذي لم يجر عليه القلم فلا يعتد به في التقسيم!!!
مخ ۳۳
وقالوا أيضا: أولا ترى أنه قال: على حبه وليس هذا من أوصاف المدح بل هو من أوصاف الذم والقدح! لأن العقلاء يستنكفون عن مثل هذا، أولا تراهم كيف يذمون الرجل بأنه طاعم كاس، قال الحطيئة يهجو الزبرقان بن بدر:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي/ 25/
وذكر أن الزبرقان رفعه إلى عمر بن الخطاب يستعديه عليه (1) فقال [له]:
ما قال لك؟ فأنشده الزبرقان، فقال: ما في هذا؟ وكلنا طاعم كاس. فقال [الزبرقان]: قد هجاني وهذا حسان بن ثابت فسله. فقال حسان: ما هجاه ولكن ذرق عليه!!!
فحبسه [عمر] ولم يزل في حبسه حتى كتب إليه:
ما ذا تقول لأفراخ بذي مرخ
حمر الحواصل لا ماء ولا شجر
القيت كاسبهم في قعر مظلمة
فاغفر عليك سلام الله يا عمر
قال: فرق عليه وأطلقه.
وقالوا أيضا: أولا ترى قول الله تعالى: إنما نطعمكم لوجه الله وليس هذا من دأب المرتضى وذويه فإنهم أرفع رتبة من أن يذكروا خيرا قدموه حذرا من المن والأذى وفي قولهم بما فعلوه!!! وقد قال الله سبحانه: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى وفي قولهم إشارة إلى المن والأذى!!!
وربما برهنوا قولهم بحديث روي في ترتيب نزول القرآن وقد ذكره الشيخ أبو سهل محمد بن محمد بن علي الطالقاني الأنماري (رحمه الله) في كتاب «فيه ما فيه»:
10- أخبرنا عنه الشيخ أبو القاسم عبد الله بن محمشاد ب «هرات» قال:
أخبرني الشيخ أبو سهل الأنماري إجازة قال: أخبرنا الفضل بن عبد الله بن مسعود اليشكري ثم الهروي قال: حدثنا عبد الله بن مالك بن سليمان، عن أبيه/ 26/ في نزول القرآن قال: وجدته مكتوبا عند سعيد بن سالم فسألته فقال لي: لم أسمعه ولكنه وجدته مكتوبا عند بعض أهل المدينة فكتبته [وهذا نصه]:
مخ ۳۴
أنزل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)- والله أعلم- أول ما نزل اقرأ باسم ربك ثم ن والقلم ثم يا أيها المزمل ثم يا أيها المدثر ثم تبت ثم إذا الشمس كورت ثم سبح اسم ربك ثم والليل إذا يغشى ثم والفجر ثم والضحى ثم ألم نشرح ثم الرحمن ثم والعصر ثم والعاديات ثم إنا أعطيناك ثم ألهاكم ثم أرأيت ثم قل يا أيها الكافرون ثم ألم تر كيف ثم قل أعوذ برب الفلق ثم قل أعوذ برب الناس ثم قل هو الله أحد ثم والنجم ثم عبس ثم إنا أنزلناه ثم والشمس وضحاها ثم والسماء ذات البروج ثم والتين ثم لإيلاف قريش ثم القارعة ثم لا أقسم بيوم القيامة ثم ويل لكل همزة ثم والمرسلات ثم ق ثم لا أقسم بهذا البلد ثم والسماء والطارق ثم اقتربت الساعة ثم ص ثم الأعراف ثم قل أوحي ثم يس ثم تبارك ثم الفرقان ثم الحمد لله فاطر السماوات والأرض ثم كهيعص ثم طه ثم إذا وقعت الواقعة ثم طسم الأول ثم طسم الثاني ثم طسم الثالث ثم سبحان [الذي] ثم الر تلك آيات الكتاب الحكيم ثم سورة هود ثم سورة يوسف ثم الأنعام ثم والصافات ثم لقمان ثم/ 27/ سورة سبأ ثم سورة الزمر ثم الحاميات جميعا ثم والذاريات ثم هل أتاك ثم الكافرون ثم النحل ثم إنا أرسلنا نوحا ثم سورة إبراهيم ثم قد أفلح ثم الم تنزيل ثم والطور ثم تبارك [الذي بيده] الملك ثم الحاقة ثم عم يتساءلون ثم والنازعات ثم إذا السماء انفطرت ثم الروم ثم العنكبوت ثم الحج ثم ويل للمطففين ثم إذا السماء انشقت ثم هل أتى على الإنسان .
فجميع ما نزل بمكة خمس وثمانون سورة.
وأنزل بالمدينة: سورة ال بقرة ثم الأنفال ثم آل عمران ثم سورة الأحزاب ثم سورة الممتحنة ثم سورة النساء ثم سورة [إذا] زلزلت ثم سورة الحديد ثم سورة محمد صلى الله عليه، ثم
مخ ۳۵
سورة الرعد ثم سورة الرحمن ثم سورة الطلاق ثم لم يكن ثم سورة الحشر ثم إذا جاء نصر الله ثم الحجر ثم إذا جاءك المنافقون ثم المجادلة ثم الحجرات ثم يا أيها النبي لم تحرم ثم سورة الجمعة ثم سورة التغابن ثم سورة الصف ثم بالفتح ثم المائدة ثم التوبة .
وقد أنزلت فواتح سورة بمكة ثم زاد الله فيها بالمدينة ما شاء حتى جمعت بالمدينة. انتهى الحديث.
وربما قالوا: لم يذكر أصحاب التفاسير هذه القصة في تفاسيرهم [ظ] كما تذكرونه أنتم.
فهذه غاية ما انتهى إليها هذا الفريق من الناس.
ولا بد أولا من الإجابة عنها والإبانة عما التبس عليهم منها أشد الالتباس/ 48/ (1) ثم أتبعها بذكر الحق الواضح والصدق اللائح والبرهان الراجح لأكون قد بالغت ونصحت ودفعت عنهم ونصحت، والله لا يضيع أجر المحسنين.
فأما الجواب عما قالوا: «إنها مكية النزول، وإذا كانت مكية النزول لا يستقيم القول بأنها نزلت في المرتضى وسبطيه» فهو:
إنا نقول لهم: من الذي يسلم لكم أنها مكية النزول؟ فإن الأجلة من ذوي التفسير والتأويل يذكرون أنها مدنية النزول وإذا كانت [مدنية النزول] فقد سقطت الاعتراضات. والذي يدل على أنها مدنية النزول حديث ذكره الشيخ أبو سهل الأنماري (رحمه الله) في كتاب «فيه ما فيه»:
11- أخبرنا الشيخ عبد الله بن محمشاد (رحمه الله) ب «هرات» قال: أجاز لي الشيخ أبو سهل محمد بن محمد بن علي الأنماري (رحمه الله) على يدي أخي أبي عبد الله أحمد بن محمشاد بكتاب «فيه ما فيه» قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن
مخ ۳۶