============================================================
يفارق الشيخ بظن بلوغه أوان الفطام إلا بإذن الشيخ، لأن المريد لقصوره كثيرا ما يلبس عليه ببلوغه أوان الفطام، ولا يأذن الشيخ للمريد في المفارقة إلا بعد علمه يقينا بأن للمريد أوان الفطام، وهو أنه صار يستقل بنفسه، وذلك الاستقلال أن ينفتح عليه باب الفهم من الله بأن بلغ مقام الروح أو مقام القلب، ويرى من هوى النفس وكدوراتها، وجوب خواطره فلم يكذ يخطى في أمر من الأمور.
وليس كذلك بالنسبة إلى بعض الأمور، بل إذا صار المريد قادرا على انزال جميع حوائجه ومهامه بالله تعالى مع الفهم منه بتعريفاته وتنبيهاته بعد غاية التذلل منه لله وإظهار افتقاره له، فحينئذ بلغ أوان الفطام، ولو فارق قبل ذلك كان مفارقته حال حياة هوى النفس فترجع إلى غلبتها فتلحقه العلل الكاملة حتى أته يرجع إلى الدنيا ومتابعة الهوى مثل ما يلزم المفطوم لغير أوانه في الولادة الطبيعية من ثقل الطعام وسوء هضمه.
وإن رأى الشيخ المريد بليذا أو خاف عليه رده إلى الأعمال الظاهرة وخدمة المريدين لينال بركتهم، وكل ميسر لما خلق له، ولمئل هذا قيل: عليكم بدين العجائز، وعلى كل حال فإن ثحب القوم الذي لا يستطيع أن يعمل بعملهم له رتبة المعية معهم، وإن كان من وجه دون وجه، وأما قول الشاعر رحمه الله تعالى: تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمرى في القياس بديع لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع ففيه دلالة على النقص لا على النقض. فافهم.
مخ ۷۱