أسوأ هذه الطرق ما بني على الطفرة ولم تراع فيه مبادئ التدرج، ولم يتحر فيه إحكام الوضع؛ لأنه يجلب الضرر، ولا يؤدي للغرض، ولم يقع شيء من هذا القبيل إلا في عهد الاستبداد والفوضى؛ ولذلك نضرب عنه صفحا.
ومع ذلك فإن الحكومة في عهد الخديو الأول «إسماعيل باشا» قد اجتهدت في العمل بمبادئ محمد علي، وحافظت عليها، ولم تتعرض لامتيازات العرب بشيء مطلقا.
ومن عهد الخديو توفيق باشا إلى الآن نهجت الحكومة سياسة جديدة يراعى فيها التدرج في الأمور، فصارت تضع قوانينها ولا تدون - فيما يلزم استثناء العرب منه - حكم الاستثناء، فإن عارضوا أوقفت تنفيذه عليهم، وذيلت القانون بأمر الاستثناء، أو تركته على حاله واكتفت بتعطيل تنفيذه عليهم.
وأول ما نحفظه من ذلك قانون الخفر الذي صدر في 1 نوفمبر سنة 84 وعارض العرب في تنفيذ أحكامه عليهم فألحقت الحكومة به أمرا عالي ا بتاريخ 11 فبراير سنة 85 متضمنا أحكاما خاصة بهم ملائمة لعوائدهم. ثم قانون القرعة الأول الصادر في 26 مارس سنة 85 حيث جعلته خلوا من بيان حق الاستثناء المخول للعرب من الخدمة العسكرية، وشرعت في تنفيذه، فاجتمع أعيان العرب لديها مجمعين على معارضته، فأجيب طلبهم، وصدر أمر عال بتاريخ 13 مايو سنة 1885 باستثنائهم. ثم لائحة المواليد والوفيات الصادر بها الأمر العالي الرقيم 9 يونيه سنة 1891 فقد رأت الحكومة عدم مناسبة الظروف لتنفيذها على العرب ، فعطلت تنفيذها عليهم للآن، وكذلك قانون تطعيم الجدري.
ولما اشتغلت الحكومة بوضع قانون القرعة الجديد كان احترامها للقانون قد عظم كثيرا، وارتقت فيها قوة التشريع لدرجة عالية، فلم تجر في وضعه على ما كان يحصل قبل عشرين سنة مثلا، بل برهنت على احترامها للحق المكتسب وأثبتت حسن القصد فيما شرعت بمبادرتها بالاعتراف بذلك الحق في القانون من وقت وضعه.
ولكونها تحققت أن بعض الأهالي يتخلصون من نظام القرعة بإقامتهم بين العربان، وأن أغلب هؤلاء المتشتتين يدعون الأعرابية كلما نبه إليهم أحد المأمورين، أضافت إلى هذا القانون التعليمات المناسبة لحصر هذا الامتياز في أهله دون سواهم.
وقد قلنا في صدر هذه المذكرة إنه لا محل للاعتراض عليها في هذا القصد الحسن، وإنما نقول إن غرضها يمكن التوصل إليه بطريقة أسهل بكثير مما اتبعت، ونلاحظ على هذه الطريقة ثلاث ملاحظات: الأولى تشريعية محضة، الثانية تطبيقية، والثالثة إدارية.
أما الملاحظة التشريعية فمن وجهين: الأول: كونها جعلت مجلس القرعة محلا للفصل في دعاوى الأعرابية دون أن تدخل في هيئته أحدا من العرب. والثاني: كونها أغفلت ذكر معافاة السودانيين المنسوبين إلى العرب، واعتبرت ذلك كافيا لإسقاط معافاتهم، وجرت عليه فعلا مع سبق صدور قرار رسمي من مجلس النظار بإعفائهم، وصدر به منشور للمديريات في 18 يوليه سنة 93 وموجودة صورة بأيدي عمد القبائل.
وأما الملاحظة التطبيقية فكونها تحكم بسقوط معافاة شبان العرب الذين لا يحضرون للاقتراع، أو لا يقدمون طلب المعافاة قبل اليوم المحدد له عملا بنص المادتين 48 و76 من القانون. والأوجه القانونية في هذه الملاحظة هي:
أن النص في القانون الجديد على معافاة العرب لا يعتبر نصا مكسبا لهذا الامتياز، وإنما هو في الحقيقة اعتراف بوجوده فقط.
ناپیژندل شوی مخ