العاطفة المحزنة تبطئ التفكير كما تبطئ حركة الجسم، كما نرى حول الجنازة حين يصمت الحاضرون ويجمدون، ولكنهم في العرس يتحدثون ويزأطون، والحزن يجمد الذهن، والعواطف السارة محركة؛ ومن هنا كان كثير من المؤلفين يعمدون إلى الشراب القليل كي يغمرهم سرور خفيف يحرك أذهانهم، ولكن لهذه الوسائل الصناعية أضرارا أكيدة في النهاية، وقصارى ما نحتاج إليه أن نتجنب ما يثير حزننا أو اغتمامنا وقت التفكير. (3)
نستطيع أن نقسم الناس من حيث التفكير والتصرف إلى عاطفيين ووجدانيين، ولكن هذا التقسيم غير معين بحدود؛ إذ ليس هناك إنسان عاطفي مائة في المائة إلا إذا كان في المارستان، وليس هناك إنسان وجداني مائة في المائة، وكذلك نستطيع أن نقسم الناس من حيث مرجعهم في التفكير ثلاثة أقسام: (أ)
أولئك الذين يرجعون فيه إلى العقيدة كما كان الشأن في الأمم القديمة وكما هو الشأن في العامة من الشعب في عصرنا، والمتوحشون والمتأخرون في الحضارة على وجه إجمالي. (ب)
أولئك الذين يعتمدون فيه على المعرفة وهم خاصة الأمم والعلميون، مهما يكن العلم الذي يمارسونه. (ج)
أولئك الذين يعتمدون فيه على الحكمة، وهي فوق المعرفة، فقد يعرف أحدنا أشياء كثيرة ولكنه ينحيها ويبعدها في تصرفه ولا يعتمد عليها، ويقنع بالحكمة التي يتطلبها الظرف القائم.
وأفضل أنواع التفكير - ونعني هنا التفكير للتصرف - هو تفكير الحكمة. (4)
هناك عادات تفكيرية نتعودها، كالصمت في المشكلة، وهو يؤدي إلى إخماد العاطفة وإيجاد المجال للوجدان فالروية، وكالمصالحة والمحاولة بدلا من التحدي والخصومة، وكالتأليف والبناء بدلا من النقد والهدم، وهذا هو تفكير التصرف الحسن في الحياة، وهنا نذكر غاندي الذي يصوم عن الكلام يوما في الأسبوع. (5)
مع كل ما قلنا عن ضرر التفكير العاطفي الذاتي يجب ألا ننسى أن خمود العواطف - كما يحدث في الشيخوخة - يؤدي إلى خمود الذهن.
واليقظة الفكرية في الشبان تعود إلى يقظة العواطف، ولعل لهذه الحال سببا فسيولوجيا يتعلق بالغدد الصماء، ونحن نرى أن الخواطر تتوارد بسرعة وقت التهيج أو التعجل أو الغضب بشرط ألا تغمر الشخصية بقوتها فتحول دون التفكير، كما قد يؤدي فنجان القهوة أو الشاي إلى تثبيت العواطف. (6)
يحتاج التفكير الحسن إلى استخدام الكامنة (العقل الكامن) بالاسترخاء والحضانة حتى تستثار العواطف الكامنة فتنتفع بما فيها من اختبارات، وأيضا بما فيها من توترات وكظوم تفتق التفكير وتكسبنا البصيرة والوصول إلى نتائج قد لا تتفق مع المنطق القائم، ولكنها صحيحة في ضوء اختباراتنا؛ ولذلك كثيرا ما يؤدي المرض والتزام السرير شهرا إلى تفكير جديد يقارب الاختراع وتغيير الشخصية. (7)
ناپیژندل شوی مخ