وكان أبوها مفتونا بها، كان يعاملها وهي في العشرين كما لو كانت طفلة في الخامسة أو السادسة، يشتري لها طرف الطعام وتحف اللباس، ولم يكن عاقلا في ذلك؛ إذ كان يجب عليه أن يسعى لزواجها قبل موته، ولكنه لم يفعل. ومات الأب، وتحملت الفتاة هذه الصدمة؛ لأن أمها كانت لا تزال حية.
ولكن بعد شهور ماتت الأم، واكفهرت الدنيا بعد ابتسام، وجاءت الصحوة المؤلمة بعد النشوة اللذيذة.
كانت مع أبويها في أحلام واقعية؛ إعجاب ودلال، وهدايا لا تنقطع كأنها ملكة، ثم يزول كل هذا فجأة بلا أي استعداد لمواجهة دنيا الحقائق، وبلا استعداد أيضا للزواج.
وكان من هذا كله انهيار، فحاولت الانتحار السيكلوجي: الشيزوفرينيا، الظلام بدلا من النور.
ولم أستطع الاهتداء إلى الثقاب الذي أشعل وأحرق هذه الشخصية الجميلة. •••
واعتقادي أن الشيزوفرينيا تزيد حالتها في مصر على حالتها في أوروبا؛ لأننا نحرم كثيرا من المتع التي لا يحرمها الشبان والفتيات في أوروبا؛ عندنا كظم وعندهم تفريج.
وفي أوروبا تعمل الفتاة خارج البيت قبل أن تتزوج فتكسب وتفرح؛ فإذا تزوجت لم تخش ضرة ولم تخش طلاقا، كما أنها لا تعيش مع حماتها، فهي مطمئنة، أما في مصر فإن سهولة الطلاق ووجود الضرة والحماة، كل هذا يزعزع الزوجة، وقد ينتهي بانهيارها.
والفتاة في مصر لا تعمل خارج البيت قبل الزواج؛ إذ هي تلزم البيت وتجتر خواطرها وتأكل عواطفها، وفي كل زعزعة نفسية.
وأخيرا نجد في مصر كربا اقتصاديا ليس له شبيه في أوروبا؛ فإن خريجي الجامعات عندنا لا يمكن أن تستوعبهم وظائف الحكومة، كما أنه ليس عندنا من الأعمال الحرة، في المصانع والمتاجر، ما يكفي لاستيعابهم، وهم لذلك يبقون في عطل يهين كرامتهم ويملأ نفوسهم حسرة، ثم يزعزع كيانهم النفسي.
وبكلمة أخرى نقول: كي نتوقى الشيزوفرينيا يجب أن نجعل العيش مطاقا غير مستحيل؛ أي: نتيح اللعب للتلميذ والطالب، ونتيح الاختلاط بين الجنسين، ونتيح العمل للشبان عقب خروجهم من الجامعة، ونتيح العمل للفتاة قبل الزواج، ونجعل الزوجة في أمن وطمأنينة على حياتها الزوجية بحيث لا تخشى الطلاق، وكذلك نمنع عنها هذه المباراة المرهقة بينها وبين ضرتها أو بينها وبين حماتها.
ناپیژندل شوی مخ