وهنا تعرض لنا مشكلة الشر كرة أخرى، وهي المشكلة التي قلنا إنها لا تخص القرن العشرين ولا يزال لها شبح قائم في كل زمان، ويكفي أنها في الأديان نفسها مجسمة في مثال الشيطان.
فما الذي يمنع المفكرين في هذا العصر أن يسلموا ضمائرهم إلى عقيدة دينية فيما فوق الطبيعة؟
إن السؤال هنا ينصرف إلى الشاكين والمترددين ولا ينصرف إلى مفكري العصر الذين آمنوا بما فوق الطبيعة إيمان المعرفة أو إيمان التسليم.
والشاكون المترددون يقولون إننا عاجزون عن التوفيق بين كمال الله وقدرته وبين الكون الذي تعتريه النقائص وتعيش فيه الشرور.
نقول: وهل هم قادرون على التوفيق بين كمال الله وقدرته، وبين الكون الكامل والمخلوقات الكاملة والحالة السرمدية التي لا يوجد فيها ما يشكوه أحد أو ما يخالف مشيئته أحد؟
هل الكون الذي يبعث فيهم العقيدة هو الكون الذي يرضى فيه كل مخلوق في كل حالة وفي كل حين؟
إن تصور هذا الكون أصعب جدا من تصور الكون كما نعهده ونزاوله، وما لم يكن في مذهبهم أن العقيدة مستحيلة أصلا فالعقيدة في الكون الذي نحن فيه أقرب من العقيدة في كون يفرضونه وهما ولا يستطيعون أن يفرضوه متبينين متثبتين.
والذي يحيك في نفوسنا بإزاء هذا الموقف أن المسألة مسألة زمن وتجربة، وأن الزمن فاصل غدا في أمر الاعتقاد ونبذ الاعتقاد، فإذا مضت الأيام بعد الأيام وثبت من التجربة بعد التجربة أن الخلو من العقيدة فقر في الشعور بالحياة والقدرة على العمل وشذوذ عن سواء الخلق، فالعقيدة يومئذ فارضة لنفسها مفروضة في العقول لا محالة، أو يعجز الإنسان عن استلهام عقيدته فتلك آية الفناء وإفلاس الحياة والأحياء.
وقد رأينا في الفصل السابق عالما من جلة علماء العصر يمد بصر العلم مليون سنة ولا يتخيل الإنسان متروكا لنفسه عاملا على صلاحه مائتي سنة ولاء من هذا الدهر الطويل ما لم يكن له اعتقاد وما لم تكن لاعتقاده نخوة وحماسة.
ونخال أن مائتي سنة كافية للفصل في أزمة العقيدة الحاضرة، بل نخال أن القرن الحادي والعشرين قمين أن يتقدم بالضمير الإنساني خطوة أوسع من خطوته بين القرن التاسع العشر والقرن العشرين. وإن علم النفس سيلاقي علم الذرة في الشقة الوسطى التي لا تزال حتى اليوم فاصلة بين المادية والروحانية، ومن يعش ير عيانا ما نراه باعتقاد وتقدير.
ناپیژندل شوی مخ