وعقائد القيم الإنسانية تقف دون الغاية حتى في المشاهدات المحسوسة التي لا خلاف عليها.
فكل علاقة بين الإنسان وبين «محيطه» ماثلة في غريزة من غرائزه أو نزعة من نزعاته.
فروح الجماعة تربطه بالمجتمع أو الوطن.
وغرائز الجنس تقود روابطه الحيوية بنوعه.
وآداب الأخلاق تقود روابطه أو معاملاته الإنسانية.
وليس بالمفهوم أن تتأصل فيه هذه العلاقات ولا تتأصل فيه علاقاته بالكون كله في صورة من الصور.
إن علاقة الإنسان بالكون أعرق وأوثق وأعمق من كل علاقة بإقليمه أو بعشيرته أو بنوعه، وليس بالمفهوم أن تترجم نوازعه عن علاقات العشيرة والإقليم والنوع ثم تخلو من ترجمة لعلاقته بالوجود كله، فإن لم تكن العقيدة الدينية هي ترجمة العلاقة الكونية فأين توجد هذه الترجمة؟ ولماذا تتأصل في الإنسان نوازع العلاقات بكل محيط ولا تتأصل فيه نوازع هذه العلاقة؟
لهذا نرى أن عقائد القيم الإنسانية تقف بالإنسان دون الغاية سواء نظرنا إلى طبيعة العقيدة وما تتطلبه من القوة والشمول، أو نظرنا إلى أطوار الإنسان في علاقاته بما حوله.
نعم إن القيم الإنسانية تؤسس في خلائق الإنسان الإيمان بالواجب، وإن قيامه بواجبه يبعث فيه الثقة والطمأنينة والعزاء، وإنه متى عرف القيم الإنسانية عرف الأحسن والأكمل وأعرض عن القبح والنقيصة، ومتى اهتدى إلى الواجب بين ما هو حسن وما هو قبيح صمد له وتبين طريقه في ظلمات المجهول.
ولكنه ولا ريب لا يكتفي بهذا الواجب لو علم بما هو أكثر منه وأكبر، وإنه لا يستغني معه عن سند له وسند للنوع الإنساني كله، ولا يجد هذا السند في شيء كما يجده في عقيدة تشمل الكون وما فيه بل تشمل الكون وما وراءه وتحيط بالزمن بغير ابتداء ولا انتهاء، وتلك عقيدة لا تملكها القيم الإنسانية ولا تدعيها، وإذا ملكتها فإنما تملكها بالرمز والإشارة وترفعها باختيارها فوق القيم الإنسانية جمعاء .
ناپیژندل شوی مخ