إن آرائي الخاصة مسألة لا خطر لها ولا تعني أحدا غيري، ولكنك سألتني، فأسمح لنفسي أن أقول إنني متردد، ولكنني في أقصى خطرات هذا التردد لم أكن قط ملحدا بالمعنى الذي يفهم فيه الإلحاد على أنه إنكار لوجود الله، وأحسب أن وصف اللاأدري يصدق علي في أكثر الأوقات - لا في جميعها - كلما تقدمت بي الأيام.
وقد كتب قبل ذلك (سنة 1873) إلى طالب هولندي سأله السؤال نفسه فقال: «... إن استحالة تصور هذا الكون العظيم العجيب وفيه نفوسنا الشاعرة قائما على مجرد المصادفة - هي في نظري أقوى البراهين على وجود الله، ولكنني لم أستطع قط أن أقرر قيمة هذا البرهان.»
وسأله طالب ألماني (سنة 1879): هل يتفق مذهب التطور والإيمان بوجود الله، فأوصى أحد أعوانه أن يكتب إليه ما فحواه أنهما يتفقان، ولكن الناس يختلفون في فهم المقصود بالإله.
وعاد الطالب يسأل ويطلب التفصيل، فكتب إليه داروين نفسه في هذه المرة وقال له: إنه لا يرى دليلا على الوحي، وإن الإيمان بالبعث متروك لكل من يشاء أن يتخذ له فيه معتقدا بين المحتملات المتضاربة.
وآخر ما عندنا من آرائه في هذا الموضوع خطاب أرسله إلى جراهام صاحب كتاب عقيدة العلم
1
كتبه سنة 1881، وقال فيه: «إنك عبرت عن عقيدتي الباطنة ... إن الكون لم ينجم عن مصادفة؛ ثم عاد يتساءل: ما قيمة هذه العقيدة في إثبات حقيقتها؟» •••
والمهم في هذا الصدد أن صاحبي مذهب التطور، كما ذاع في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، لم يستندا إليه في إنكار العقيدة الدينية، ولم يزعما أنه يفسر سر الحياة أو سر الكون، وأحدهما - وهو والاس - كان مؤمنا بالله وبحكمته في مخلوقاته، والآخر - وهو داروين - كان يأبى أن يوصف بالإلحاد، ويحسب نفسه أحيانا «ربانيا» أي منكرا للمصادفة ومرجحا لعقيدة الربوبية، ويؤكد إلى آخر أيامه أن الاستدلال بمذهب التطور على إنكار الإله خطأ كبير وادعاء لا سند له من العلم ولا من التفكير الأمين.
وقد مضى على آخر ما كتبه داروين في مسألة العقيدة ثلاث وخمسون سنة وشاع مذهب التطور في كل بيئة علمية، وأراد العالم اللاهوتي دروبرج (Drawbridge)
سنة 1932 أن يعيد الأسئلة التي وجهت إلى داروين في حياته ويوجهها هذه المرة إلى علماء الجمعية الملكية، وهم أكبر العلماء المشهود لهم بالمكانة الملحوظة في بلادهم وغير بلادهم، ومنهم مختصون بالكيميا ومختصون بالطبيعيات ومختصون بالرياضيات ومختصون بعلم الحياة أو بعلم الحيوان، فسألهم: هل ترون أن تصديق مذهب التطور يوافق التصديق بوجود الله؟
ناپیژندل شوی مخ