په قصد … اورېدل وکړ‎

یوسف ادریس d. 1412 AH
52

په قصد … اورېدل وکړ‎

عن عمد … اسمع تسمع‎

ژانرونه

ألم يكن موقفي - وأنا أحاول إقناع الولد بأمر أنا لست شديد الاقتناع به - مضحكا؟

للشعب الآخر

مضى العيد وكل عام وأنتم طيبون. أكلنا اللحم؛ لحم الضحية. والضحية كانت أيام سيدنا إبراهيم عليه السلام، كانت هي الخروف الذي أرسله الله سبحانه فدية لسيدنا إسماعيل. ولكن - كما تعرفون تماما - ضحية العيد الكبير أصبحت أنا وأنت وسعر اللحمة الكاوي! المربون والجزارون يذبحوننا نحن. كل ما في الأمر أننا لا نعلق في خطاف أمام الدكان، فنحن «الدجاجة» التي تبيض الذهب، ولا بد أن نبقى أحياء لنبقى نأكل وندفع ونصبح «ضحايا» معظم أيام السنة.

ومع هذا، فكل سنة وأنتم طيبون.

ولكن لا أريد أن «أعيد» عليكم أنتم أبناء مدينتنا وبلادنا، فنحن هنا، مهما ضاق بنا هنا، ونحن معا، وإن كنا قد ضقنا معا، ونحن وإن كنا نحس بالغربة إلا أنها غربة الضيق بالمقام، أما الغربة الحقة فهي غربة المحن إلى المقام، الخارج متسترا ذات مرة بظلمة الليل أو مقترضا ثمن التذكرة، الذي سدت في وجهه السبل أحيانا، وأحيانا قطع عليه الطريق قطاع الطرق. أولئك الذين انطلقوا شعاعات نابضة من أرضنا وترابنا، وتفرقوا في أنحاء الأرض وتبعثروا، هم شعب الله غير المختار من أستراليا إلى كندا، ومن المكسيك إلى هونج كونج. هذا الشعب المغترب الآخر؛ المدرس في أقصى كوبيك، المهندس في الكويت، المدرسة في الجزائر، والممرضة في دبلن، وعامل اللحام في الربع الخالي، يا أولاد وبنات مصر في كل مكان من سطح الأرض، كل عام ونحن جميعا طيبون. والله يجازي اللي كان السبب.

الفرق بين «الجدية» و«ثقل الدم»

أخشى أن يؤدي النقد المنهال على مواد أجهزة الإعلام - وبالذات التليفزيون - إلى نتيجة عكسية تماما. إن النقد الذي يقال ويكتب ينصب معظمه على «تفاهة» التمثيليات وسطحيتها، وسخافة بعض مقدمات البرامج، وإقحام رقص هز البطن ومواد التحلل الخلقي بمناسبة وبدون مناسبة. وقد بدأنا نلمح آثارا لهذا النقد. وكارثة حقيقية هي ما حدث؛ فقد بدأت معظم البرامج تتحول إلى برامج وعظ وإرشاد باعتبار أن هذه هي «الجدية» المطلوبة والعودة إلى القيم الروحية. وأعتقد أن المسئولين عن التليفزيون أخطئوا تماما ما يقصد بنقد البرامج التافهة و«الهايفة». فليس الوعظ والإرشاد هو الرد على التفاهة والسطحية. إن النفس البشرية تضيق بالوعظ المباشر تماما وتكرهه ربما أكثر مما تكره التفاهة؛ فليس أبغض للإنسان من أن يجلس أمامه في التليفزيون إنسان آخر منتفخ الكرش والأشداق يتلمظ بالكلمات ويأمره أمر اليقين كيف يتصرف وماذا يجب عليه أن يفعل في كذا أو كيت. حتى الأطفال يضيقون بالنصح المباشر. والرد دائما هو إغلاق الجهاز أو تحمل الكلمات الغليظة على مضض، وربما توطين النفس على العمل بعكسها تماما.

أجل، مهما أخطأ المسئولون عن التليفزيون في فهم كلمة «الجدية» و«التمسك بالقيم الروحية والأصيلة لشعبنا وأمتنا»، وفهموا أن الجدية تعني التجهم والصرامة والوعظ المباشر والإرشاد، في حين لا علاقة مطلقا بين الجدية والصرامة، فالجدية تعني احترام عقل المتفرج وعواطفه ومعاملته باعتبار أنه ليس كائنا عبيطا أو ساذجا، أو طفلا من السهل أن «تضحك» عليه أو تخدعه، الجدية تعني معاملة المتفرج باعتبار أنه عاقل وعميق وناضج، ولهذا لا يمكن أن تنفذ إليه أو تصله إلا من خلال احترامك لعقله واحترامك لشعوره وقيمه. والجدية أيضا ليست ضد المتعة أو الاستمتاع، فإذا كنا ساخطين على «السطحية» و«الهيافة»، فلسنا ساخطين إلا لأنهما أقل إمتاعا ونحن ننشد المتعة الأكبر والأعمق. وإن محمد رضا مثلا حين يظهر في دور ابن البلد العبيط لا أعتقد أنه يضحك أولاد البلد أنفسهم، إنهم لا يضحكون من محمد رضا بقدر ما يضحكون عليه، فابن البلد ليس عبيطا، وفي حياته الكثير مما يضحك، ولكنه ليس نتيجة عبطه إنما نتيجة المضحكات من مشاكل. إن ابن البلد يملك كل فكر جحا وسخريته وذكائه، وهو يضحك «على» الآخرين، وبالذات على هؤلاء الذين يحاولون تصويره على هذه الدرجة من السذاجة وحسن النية.

إن الجدية هي الاستمتاع بعمق. إن الممثلة الجادة قد تمتعني بحديثها أو بآرائها الفلسفية والفنية، بل إن مقدمات البرامج ليس مهما أبدا شكلهن أو بروكاتهن. والغريب أن تليفزيونا متقدما جدا كالتليفزيون البريطاني لا توجد به مقدمات برامج أو نشرات أخبار على الإطلاق «رغم وفرة الجميلات البريطانيات»؛ ذلك لأنه حين تأتي المسألة لتقديم برنامج - أي مخاطبة المتفرج من خلال عقل ذكي ناضج - فليس مهما أبدا حينئذ «شكل» المتحدث بقدر ما هو مهم طريقة ونوع وأهمية حديثه.

إن الجدية التي نطالب بها هي أولا وأخيرا، وبجانب هجر السطحية والتفاهة، الغوص إلى المواضيع الأساسية في حياتنا. والمضحك أن برامج التليفزيون مهما تطورت فإنها ستظل دائما وأبدا هامشية؛ لأننا لا نستطيع أن نناقش داخل جهاز عريض كالتليفزيون أي مشكلة هامة في حياتنا. إنك لا تستطيع أن تناقش من خلاله أية مشكلة أخلاقية أو اجتماعية خطيرة أو تربوية أو جنسية، وطبعا لا يمكنك مناقشة أي مشكلة سياسية أو نقد أي جهاز من أجهزة الدولة. حقيقة في الوقت الذي لا نخجل فيه من عرض تفاصيل جسم المرأة في بدلة الرقص، نخاف أن نعرض لأي تفصيل من تفاصيل النفس الداخلية المصرية. وما دمنا متبعين سياسة النفاق العام هذه، والحرص على عدم إغضاب أحد أو جهة أو مسئول، فستظل جميع المشاكل التي نطرحها غير أساسية وغير هادفة وسطحية، وسنلجأ دائما إما إلى النفاق وإما إلى الوعظ السخيف والإرشاد المباشر.

ناپیژندل شوی مخ