89

فقبل وصيته ، وكان عثمان غائبا ، فلما عاد « رأى القبر فقال : قبر من هذا؟ فقيل : قبر عبد الله بن مسعود. قال : فكيف دفن قبل أن أعلم؟ فقالوا : ولي أمره عمار بن ياسر .. ولم يلبث إلا يسيرا حتى مات المقداد فصلى عليه عمار ، وكان أوصى إليه ولم يؤذن عثمان به ، فاشتد غضب عثمان على عمار وقال : ويلي على ابن السوادء ، أما لقد كنت به عليما » (1).

ومن هنا يتضح بأن ما حصل بين عثمان وعمار من عداء لم يكن عداء شخصيا نمى وتطور حتى تحول إلى حرب مواقف إذا صح التعبير بين صحابيين كان بالإمكان تلافيه ، أو على الأقل السكوت عنه حفظا لمقام الخلافة وهيبتها . بل إن الأمر كان على العكس من ذلك. فالمتتبع للإحداث يلمس بوضوح أن الصراع بينهما كان صراعا بين مبدئين. مبدأ يعتمد اللامحدودية في سلطته والنزوع وراء الملك ، ومبدأ يعتمد السنة النبوية الشريفة وسيرة الخلفاء الراشدين. فعثمان لم يكن وحده في آرائه ، وكذلك عمار لم يكن وحده في معارضته.

وعلى هذا يمكن القول أن خلافة عثمان أوجدت الفرصة لسيطرة الأمويين على مقدرات الأمة وأرزاقها عن طريق نفوذهم لسدة الحكم ، ولولا يقظة بعض الصحابة وحذرهم لتم لهم ذلك بشكل سريع ، لكن معارضتهم هي التي كانت تحول دون ذلك.

وقد حدد العقاد في كتابه عثمان ، نظرة عثمان للخلافة بقوله :

« فكانت له نظرة للإمامة قاربت أن تكون نظرة إلى الملك ، وكان يقول لابن مسعود كلما ألح عليه في المحاسبة : ما لك ولبيت مالنا؟! وقال في خطبته الكبرى يرد على من آخذوه بهباته الجزيلة : فضل من مال ، فلم لا أصنع في الفضل ما أريد؟ فلم كنت إماما!! » (2).

وكان جديرا به أن يتقبل نصائح المخلصين من الصحابة ويناقش

مخ ۹۰