كما أن في هذه الحادثة دليل واضح على مدى البعد بين عثمان وعمار في التفكير الديني وسياسة الأمور.
وزاد في الهوة بين الطرفين تتابع الأحداث التي يشبه بعضها بعضا من حيث المبدأ السلطوي الذي انتهج ازاء كبراء الصحابة وعظمائهم ، أمثال أبي ذر الغفاري وعبد الله بن مسعود ، وملاحقتهم بالنفي تارة ، وبالضرب والإذلال تارة آخرى حتى مات الأول منفيا في الربذة ، ومات الثاني مقهورا بعد أن كسر ضلعه وحرم عطاءه. وكان لابن ياسر نصيب من سخط الخليفة وغضبه بسبب هذين الصحابيين الجليلين.
فحين نفي أبو ذر ، كان عمار أحد المشيعين والمودعين له ، وحين توفي أبدى حزنه وأسفه العميقين عليه أمام عثمان مما زاد في غضبه ، ثم بعد ذلك توفي ابن مسعود فصلى عليه عمار بوصية منه ، ثم توفي المقداد فصلى عليه عمار أيضا دون أن يؤذن عثمان بذلك ، فاشتد سخطه وغضبه عليه.
قال البلاذري : لما بلغ عثمان موت أبي ذر بالربذة قال : رحمه الله. فقال عمار بن ياسر : نعم ، فرحمه الله من كل أنفسنا! فقال عثمان : يا عاض .. أبيه ، أتراني ندمت على تسييره؟! وأمر به فدفع في قفاه وقال : إلحق بمكانه. فلما تهيأ للخروج جاءت بنو مخزوم إلى علي فسألوه أن يكلم عثمان فيه ، فقال له علي : يا عثمان ، إتق الله! فإنك سيرت رجلا صالحا من المسلمين فهلك في تسييرك ، ثم أنت الآن تريد أن تنفي نظيره!؟ وجرى بينهما كلام حتى قال عثمان مخاطبا عليا : أنت أحق بالنفي منه! فقال علي : رم ذلك إن شئت!!
واجتمع المهاجرون فقالوا : إن كنت كلما كلمك رجل سيرته ونفيته ، فإن هذا شيء لا يسوغ فكف عن عمار (1).
وتوفي ابن مسعود وكان قد أوصى عمارا أن لا يصلي عليه عثمان ،
مخ ۸۹