وكان عليه السلام يقول لحاضنته السوداء أم أيمن وهي عجوز: «غطي قناعك يا أم أيمن!»
وسمعها في يوم حنين تنادي بلكنتها الأعجمية: «سبت الله أقدامكم!» فلم تنسه الغزوة القائمة أن يصغي إليها ويداعبها بين نذر الحرب وصليل السيوف. وأقبل عليها يقول: «اسكتي يا أم أيمن فإنك عسراء اللسان!»، فكانت هذه الدعابة في ذلك الموقف المرهوب كأنها تربيت سيد الفصحاء على تلك اللكنة البريئة.
أريحية محمد
هذه الأريحية الفياضة هي الحلية الباطنة التي تمت بها حلية محمد في عيون الناس، وهي جواب محمد لما كان له في قلوبهم من حب وإعظام، أو هي الآصرة التي تجمع بين قلبه وتلك القلوب في نطاق الأسرة الإنسانية؛ يحبونه ويحبهم ويشعرون به ويشعر بهم، وليس قصارى الأمر أنه وسيم وأنه محبوب وأنه مهيب.
سمت يقابل العيون بجمال.
وأريحية تقابل النفوس بجمال.
وقد سرت هذه الأريحية في صميم طويته فامتزجت طواعية وارتجالا بجميع خصاله وجميع علاقاته بالناس ولا سيما الضعفاء والمكسورين. فكان أحرص إنسان على جبر القلوب وتطييب الخواطر وتوخي المؤاساة واجتناب الإساءة، يتفقد أصحابه كبارا وصغارا ويسأل عنهم، ويتحدث إلى ذوي الأقدار وعامة الناس فلا يحسب صغيرهم أن أحدا أكرم عليه منه، ويتحدث إليه من شاء فلا يقطع عليه حديثه وإن طال. وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ومن جالسه صابره حتى يكون هو المنصرف، وما أخذ أحد بيده فأرسلها حتى يكون الآخذ هو الذي يرسلها ...
ومن سننه التي اتبعها وأوصى باتباعها أن يجيب دعوة من دعاه ولا يرد دعوة عبد ولا خادم ولا أمة ولا فقير، وفي ذلك يقول من وصاياه في آداب الولائم والمحافل: «إذا اجتمع الداعيان فأجب أقربهما بابا، فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا، وإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق.»
يبدأ من لقيه بالسلام ويمر بالصبيان فيقرئهم سلامه. وربما خفف صلاته إذا جاءه أحد وهو يصلي ليسأله عن حاجته ويلقاه بالتحية.
يتقي الغضب جهده ويعالجه إذا أحسه بعلاج من الروح، فيقبل على الصلاة والتسبيح، أو بعلاج من الجسد، فيجلس إذا كان قائما ويضطجع إذا كان جالسا، ويأبى الحركة التي ينزع إليها وهو غضبان.
ناپیژندل شوی مخ