تولى الفاروق الخلافة بعد الصديق عليهما الرضوان ...
ورأي الفاروق في أبي عبيدة بن الجراح معروف. فقد كان لا يعدل به أحدا من الصحابة الأولين، وقد هم بترشيحه للخلافة بعد وفاة النبي - عليه السلام - وقال وهو يجود بنفسه: إنه لو كان حيا لعهد إليه ولم يلجأ إلى مجلس الشورى الذي وكل إليه أمر انتخاب الخليفة بعده.
وتحدث عمرو بن العاص مرة إلى الفاروق في رئاسة الجيوش الموجهة إلى الشام، فأجابه في مقال صريح: «... أنه ليس على أبي عبيدة أمير، ولأبو عبيدة عندنا أفضل منزلة منك وأقدم سابقة، والنبي - عليه السلام - قال فيه: أبو عبيدة أمين هذه الأمة.»
وكما عرف رأي الفاروق في أبي عبيدة عرف كذلك رأيه في سابقة الإسلام والغزو على الإجمال، فإنه خالف الصديق في التسوية بين أنصباء المسلمين كافة يوم أخذ الصديق في توزيع الأرزاق والأنفال، وجعل للرجل نصيبا يختلف باختلاف سابقته في الإسلام والجهاد؛ لأنه «لا يجعل من قاتل رسول الله كمن قاتل معه، ولا يسوي بين من هاجر الهجرتين وصلى إلى القبلتين وبين من أسلم عام الفتح خوف السيف.»
فإقامة أبي عبيدة على ولاية الشام وقيادة جيوشها حادث لا غرابة فيه من الفاروق ولا ينتظر منه غيره، وبخاصة حين تكون إمارة خالد بن الوليد بغير تأمير من الخليفة الأول، إنما هي اتفاق على تقسيم القيادة بين الأمراء يوما بعد يوم. •••
وبهذه المثابة تكون ولاية أبي عبيدة سنة عمرية معروفة ولا يبلغ منها أن تكون «قضية» بين الفاروق وخالد على الصورة التي هول بها بعض المؤرخين واتخذوا منها محورا للجدال والتنقيب عن الأسباب والأقوال.
وإذا نحن تجاوزنا النظر إلى الموضوع من جانب هذه السنة العمرية، فولاية أبي عبيدة كانت في اعتقادنا أصلح الولايات للشام في تلك المرحلة التي انتهت إليها الحرب بين المسلمين والروم.
فما نظن أحدا تفوته حاجة الشام في مثل تلك المرحلة التي انتهت فيها بطشة الحرب الكبرى، وبدأت فيها ممهدات السلم والحكم والمصالحة، وهذه مهمة وال يحسن الحرب ويحسن التوجيه إليها في مناسباتها، وليست مهمة قائد عسكري يجري الأمر على سنة السطوة العسكرية، ويكون عملة الأكبر تحطيم قوى الأعداء في ضربة طاحنة، ثم يلاحقهم متى شاء بالمطاردة والتضييق والإحراج، كما كان دأب خالد في بطشاته التي لا تبقي بعدها بقية لغير الإجهاز.
وإذ تكون هذه هي المهمة المطلوبة بعد معركة اليرموك، فلا خلاف في أي الرجلين أولى بالولاية عند ذلك؛ أبو عبيدة بن الجراح أو خالد بن الوليد، سواء أكان الخليفة على رأي الفاروق أم كان على غير هذا الرأي في أمين الأمة وفي سوابق الإسلام والجهاد. •••
ونمى إلى الفاروق بعد ذلك أن خالدا وعياضا أغارا على بلاد الروم ورجعا منها بغنائم وأسلاب، وأن الأشعث بن قيس قصد خالدا ومدحه فأجازه بعشرة آلاف درهم، وأجاز آخرين من «ذوي البأس وذوي الشرف وذوي اللسان».
ناپیژندل شوی مخ