إن الباحث المنصف للحقائق العلمية يأخذ عن مذهب الشيعة بقدر ما يأخذ عن غيرها من المذاهب الاسلامية الأخرى. وهو مضطر - إن كان منصفا - إلى دراسة فقه الشيعة حين يدرس المذاهب الفقهية الأربعة عند أهل السنة. ناهيك أن الإمام جعفر الصادق المتوفى سنة 148 ه - وهو رافع لواء الفقه الشيعي - كان أستاذا للامامين السنيين: أبي حنيفة النعمان بن ثابت المتوفى سنة 150 ه، وأبي عبد الله مالك بن أنس المتوفى سنة 179 ه.
وفي ذلك يقول أبو حنيفة مقرا له بالأستاذية وفضل السبق: " لولا السنتان لهلك النعمان " يقصد بهما السنتين اللتين اغترف فيهما من علم جعفر بن محمد. ويقول مالك بن أنس: " ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد ".
ولقد كانت الطامة أعظم حين خرج على الناس بعض المحدثين الذين ينتحلون لأنفسهم سمة العلم ويأتزرون بإزار المعرفة، وليتهم تواضعوا وتنزهوا عن رفع أنفسهم فوق قدرها لما أعلنوا الثورة على الفرق الاسلامية وأفردوا الشيعة بأعظم جانب منها. فأفسدوا - فيما كتبوا - مناهج البحث العلمي، وأوصدوا دونهم أبواب العلم.
وكان - للأسف الشديد - أستاذنا أحمد أمين واحدا من هؤلاء النفر الذين حجبوا عن أنفسهم نور المعرفة في ركن عظيم من أركان الحضارة الاسلامية ذلك الركن الذي سبق فيه الشيعة غيرهم من بناة الحضارة الاسلامية والتراث الاسلامي. فكان هذا المسلك هنة سجلها التاريخ الاسلامي عليه كما سجلها على غيره ممن حذا حذوه من أساتذة الجامعات الذين آثروا التعصب الأعمى على حرية الرأي وجمدوا بآرائهم عند مذهب بعينه. وليس ذلك بالطريق السوي الذي يسلكه المحققون من الباحثين.
مخ ۱۶