عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى
مخ ۱
دراسات في سبيل تمحيص سنة الرسول (ص) عبد الله بن سبأ و أساطير أخرى المجلد الأول تأليف السيد مرتضى العسكري
مخ ۳
الطبعة السادسة مصححة سنة 1413 ه - 1992 م
مخ ۴
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء محمد وآله الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
مخ ۵
المقدمات مقدمة الطبعة الرابعة.
مقدمة الطبعة الثالثة:
كتاب الشيخ محمد جواد مغنية.
كتاب الدكتور حامد حفني داود من مصر.
موجز ما ورد من نقد:
نقد مجلة الأزهر.
مقدمة الطبعة الأولى:
سبب تسمية الكتاب.
مخ ۷
مقدمة الطبعة الرابعة طبع هذا الكتاب بعيدا عن إشراف المؤلف في النجف الأشرف عام 1375 ه.
وفي القاهرة عام 1381 ه.
وفي بيروت عام 1388 ه.
ومن ثم انتشرت فيه أخطاء صححناها في هذه الطبعة وخاصة أرقام صفحات مصادره الكثيرة، كما استدركنا ما فاتنا هناك في خلال صفحاته بآخر الكتاب، فينبغي تصحيح النسخ المطبوعة سابقا على هذه الطبعة والكمال لله وحده.
مرتضى العسكري
مخ ۹
مقدمة الطبعة الثالثة صدرت الطبعة الأولى من الكتاب عام 1375 ه فتناولته أقلام الكتاب بالنقد والتقريض، وانتشرت بعض مواضيعه في موسوعات علمية.
وإننا - مع تقديرنا لكل ما كتب - نكتفي بإيراد بعض المقالات التي أثارت نقاطا معينة تستحق الاهتمام وهي:
أ - كتاب الشيخ محمد جواد مغنية.
ب - كتاب الدكتور حامد حفني داود.
ج - نقد مجلة الأزهر.
د - نقود أخرى.
* * * أ - الشيخ محمد جواد مغنية من لبنان. أحد كبار الكتاب المعاصرين، وأكثر علمائنا إنتاجا - في العصر الحاضر - مع غزارة مادة، وسلاسة أسلوب، وكثرة نفع التآليف، قال:
كل شئ تطور إلا الكتابة عن الشيعة، ولكل بداية نهاية، إلا الافتراء على الشيعة، ولكل حكم مصدره ودليله، إلا الاحكام على الشيعة!.. ولماذا؟ هل الشيعة فوضويون ومشاغبون يعكرون صفو الناس وأمنهم؟!..
مخ ۱۱
الجواب أن رجلا يسمى سيف بن عمر التميمي مات في القرن الثاني الهجري، وضع كتابين: الأول " الفتوح والردة " والثاني " الجمل ومسير عائشة وعلي " وحشاهما بما يلي:
1 - اختلاق الحوادث التي لا حقيقة لها ولا أساس .
2 - تحريف الحوادث الثابتة، وتزييفها تزييفا يجعل الايجاب سلبا والسلب إيجابا.
فلقد اختلق سيف لرسول الله (ص) أصحابا لا وجود لهم، وأسماهم بأسماء لم يسمع بها الرسول ولا أحد من أصحابه، مثل سعير، والهزهاز، وأط، وحميضة، وما إلى ذلك، كما ابتدع رجالا من التابعين وغير التابعين، ووضع على لسانهم الاخبار والأحاديث.
من هؤلاء بطل اختلق شخصيته، واختلق اسمه، واختلق قضايا ربطها به، هذا البطل الأسطوري هو " عبد الله بن سبأ " الذي اعتمد عليه كل من نسب إلى الشيعة ما ليس لهم بن علم، وتكلم عنهم جهلا وخطأ، ونفاقا وافتراء.
وجاء المؤرخون بعد سيف الوضاع، فرأوا الكتابين المذكورين بين مصادر التاريخ، فنهلوا منهما دون فحص وتمحيص، ونقلوا عنهما بأعينهم وأيديهم وعقولهم، وأول من خدع بسيف، الطبري، ثم نقل عن الطبري ابن الأثير، وابن عساكر، وابن كثير وغيرهم، وبهذا امتدت أغصان سيف الكذاب إلى مصادر التاريخ بصورة غير مباشرة، أما الجذر والأصل فواحد هو: " كتاب الفتوح " و " الجمل ".
أما الدليل الصحيح الواضح، أما الأرقام المحسوسة الملموسة على
مخ ۱۲
هذه الحقيقة، فتجدها في كتاب " عبد الله بن سبأ " للبحاثة العسكري، فقد اعتمد في كتابه هذا منهج الحق والعدل، والتزم بكل شرط يفرضه العلم في عملية البحث، بحيث لا يستطيع القارئ مهما بلغ من الفكر والعلم أن يرفض النتائج التي توصل إليها المؤلف، أو يشكك فيها، ولو باحتمال كيفي موهوم، لان الأسس التي بنى عليها المؤلف، مادية لا فكرية فحسب، ومشاهدات لا نظريات، وقضايا ضرورية لا اجتهادية.
لقد رددت على المفترين والمعترضين مرات ومرات، واعترف أني لم آت بجديد لا تعرفه الناس، بل كنت أكرر ما أجاب به المفيد والمرتضى والعلامة، ولا شئ لي سوى الأسلوب والتوضيح.
ذلك أن الاعتراض واحد لم يتغير منذ زمان وزمان، فجوابه أيضا واحد لم يتغير، تماما كجواب من أنكر الباري عز وجل.
وكنت أعزي النفس بأن الكثير يجهلون ما أجاب به الأولون، وبأن السكوت يغري بنا السفهاء ويفسر بالضعف والعجز عن الجواب، وعلى أية حال فكنت أجيب كما أجاب غيري على أساس الاعتراف بابن سبأ، ثم الانكار والتبري منه ومن أقواله، أما صاحب كتاب " ابن سبأ " فقد هدم البناء من الأساس، وأثبت بأن ابن سبأ أسطورة لا وجود له، وهذا هو الجديد في الكتاب.
ولا أغالي إذا قلت: إنه الكتاب العربي الوحيد الذي بحث التاريخ على أساس العلم، وتعمق فيه هذا التعمق.
وأيضا لست مبالغا إذا قلت: إن المؤلف قد أدى إلى الدين والعلم - وبخاصة إلى مبدأ التشيع - خدمة لا يعادلها أي عمل في هذا العصر الذي
مخ ۱۳
كثرت فيه التهجمات والافتراءات على الشيعة والتشيع، بل قد أدى خدمة جلى للاسلام وجميع المسلمين، لأنه أقفل الباب في وجوه السماسرة والدساسين الذي يتشبثون بالطحلب لتمزيق وحدة المسلمين، وإضعاف قوتهم.
لقد ذقنا من العملاء الأدهى والأمر، وتحملنا منهم الكثير رغبة في الوئام، وتجنب الخصام، وما زادهم ذلك إلا إغراء بالكذب، ومصدرهم الأول والأخير أسطورة " ابن سبأ " وخرافة (ابن السوداء) التي ابتدعها سيف، هذا الوضاع الذي لا يشعر بأية مسؤولية أمام الله والضمير. أما اليوم وبعد كتاب " عبد الله بن سبأ " فماذا يقول هؤلاء الانتهازيون المرتزقة؟!.
وبالتالي، فإني أرى أن يتفضل السادة العلماء والمراجع الكبار في النجف الأشرف بتخصيص مبلغ من الحقوق، أو يأمروا من يمتثل أوامرهم من أصحاب الثراء بإعادة طبع هذا الكتاب طبعا حديثا وأنيقا على أجود ورق، ثم يعرض للبيع في البلاد الاسلامية والعربية بواسطة شركات التوزيع بثمن يقل عن نسف تكاليفه، كي يصبح في متناول الجميع، كما هي الحال في سائر كتب الدعايات التي يراد بها انتشار مبدأ وتشجيع فكرة، بل اقترح أن يأمروا بترجمته إلى عدة لغات، وينشر على هذا النحو، وبذلك يقدمون خدمة للدين دونها جميع الأعمال والخدمات. هذا هو والله الغرض الأكمل لمصرف الحق الإلهي، وسهم الامام " منه وإليه ".
والله سبحانه المسؤول أن يحفظهم جميعا، ويلهم أحد المقربين منهم إلى نقل اقتراحي هذا إلى مقامهم، وأن يستجيبوا له، أو يضعوه في موضع الدراسة على الأقل.
محمد جواد مغنية
مخ ۱۴
ب - كتاب الدكتور حامد حفني داود، دكتوراه في الأدب العربي مع مرتبة الشرف وأستاذ الأدب العربي بكلية الألسن العليا في القاهرة جاء فيه:
مضى ثلاثة عشر قرنا من حياة التاريخ الاسلامي كان " أنصاف العلماء " خلالها يصدرون أحكامهم على الشيعة مشبوبة بعواطفهم وأهوائهم. وكان هذا النهج السقيم سببا في إحداث هذه الفجوة الواسعة بين الفرق الاسلامية ومن ثم خسر العلم الشئ الكثير من معارف أعلام هذه الفرق، كما خسر الكثير من فرائد آرائهم وثمار قرائحهم.
وكانت خسارة العلم أعظم فيما يمس الشيعة والتشيع بسبب ما رماهم به مبغضوهم من نحل وترهات وخرافات هم في الحقيقة براء منها. ولو أن هؤلاء " الانصاف " ترفعوا بأنفسهم عن التعصب وطبقوا - وهم يكتبون عنهم أن يأخذون منهم - مناهج البحث العلمي الصحيح، وآثروا حكم العقل على حكم القلب، وقدموا الرأي على الهوى، لجاءنا علم كثير عن الشيعة، ولانتفعنا بالكثير من تراث هذا المذهب.
مخ ۱۵
إن الباحث المنصف للحقائق العلمية يأخذ عن مذهب الشيعة بقدر ما يأخذ عن غيرها من المذاهب الاسلامية الأخرى. وهو مضطر - إن كان منصفا - إلى دراسة فقه الشيعة حين يدرس المذاهب الفقهية الأربعة عند أهل السنة. ناهيك أن الإمام جعفر الصادق المتوفى سنة 148 ه - وهو رافع لواء الفقه الشيعي - كان أستاذا للامامين السنيين: أبي حنيفة النعمان بن ثابت المتوفى سنة 150 ه، وأبي عبد الله مالك بن أنس المتوفى سنة 179 ه.
وفي ذلك يقول أبو حنيفة مقرا له بالأستاذية وفضل السبق: " لولا السنتان لهلك النعمان " يقصد بهما السنتين اللتين اغترف فيهما من علم جعفر بن محمد. ويقول مالك بن أنس: " ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد ".
ولقد كانت الطامة أعظم حين خرج على الناس بعض المحدثين الذين ينتحلون لأنفسهم سمة العلم ويأتزرون بإزار المعرفة، وليتهم تواضعوا وتنزهوا عن رفع أنفسهم فوق قدرها لما أعلنوا الثورة على الفرق الاسلامية وأفردوا الشيعة بأعظم جانب منها. فأفسدوا - فيما كتبوا - مناهج البحث العلمي، وأوصدوا دونهم أبواب العلم.
وكان - للأسف الشديد - أستاذنا أحمد أمين واحدا من هؤلاء النفر الذين حجبوا عن أنفسهم نور المعرفة في ركن عظيم من أركان الحضارة الاسلامية ذلك الركن الذي سبق فيه الشيعة غيرهم من بناة الحضارة الاسلامية والتراث الاسلامي. فكان هذا المسلك هنة سجلها التاريخ الاسلامي عليه كما سجلها على غيره ممن حذا حذوه من أساتذة الجامعات الذين آثروا التعصب الأعمى على حرية الرأي وجمدوا بآرائهم عند مذهب بعينه. وليس ذلك بالطريق السوي الذي يسلكه المحققون من الباحثين.
مخ ۱۶
ولعل أعظم هذه الأخطاء التاريخية التي أفلتت من زمام هؤلاء الباحثين وغم عليهم أمرها فلم يفقهوها ويفطنوا إليها، هذه المفتريات التي افتروها على علماء الشيعة حين لفقوا عليهم قصة " عبد الله بن سبأ " فيما لفقوه من قصص أشرت إلى بعضها في مؤلفاتي (1)، وزعموا أن كل خرافة أو أسطورة أو أكذوبة جاءت من فجر التاريخ الاسلامي، كانت من نسج خيال علماء الشيعة واعتبروها مغمزا يغمزون به عليهم.
وها هو البحاثة الجليل " مرتضى العسكري " يسجل لنا في كتابه " عبد الله بن سبأ " أن هذه الشخصية لم تخرج عن كونها شخصية خرافية وأن ما أورده المؤرخون عنه من حكايات في ترويج التشيع لم يكن أكثر من أكذوبة سجلها الرواة حول هذه الشخصية الوهمية ليحملوا على الشيعة ما شاء لهم أن يحملوا وليغمزوا عليهم ما شاء لهم أن يغمزوا.
لقد جمع هذا البحاثة المقارن تحقيقاته العلمية وأبحاثه الشيقة من متفرقات الكتب ومنشورات الآثار وبطون المصادر، وصال وجال في كل ميدان من ميادين التاريخ الاسلامي حتى وصل إلى هذه الحقيقة ناصعة جلية، وقد حاول الأستاذ المحقق في كل مبحث من مباحثه التي جاء بها في هذا الكتاب أن يقيم الحجة الدامغة على أعداء الشيعة وخصومهم حين استشهد على آرائه العلمية بنصوص ثابتة من أقوال الخصوم أنفسهم، فأقام الحجة عليهم من أقرب طريق.
والمتطلع في هذا الكتاب يستطيع أن يقف في سهولة ويسر على التحقيقات العلمية التي أجراها المؤلف في أحاديث " سيف بن عمر " التي
مخ ۱۷
كانت تشغل أدمغة المؤرخين منذ ظهر التاريخ الاسلامي المدون إلى وقت قريب منا، قيض الله للتاريخ فيه جهابذة محققين لا يخشون في الله وفي الحق لومة لائم . كان الأستاذ المؤلف في الطليعة منهم، حين استطاع أن يحمل الباحثين على إعادة النظر فيما جاء به أبو جعفر الطبري في كتابه تاريخ الأمم والملوك. وأن يحملهم على النقد التاريخي لكل ما جاء في هذا الكتاب وغيره من أمهات كتب التاريخ بعد أن كان هؤلاء ينظرون إلى الاحداث التاريخية نظرتهم إلى المقدسات التي لا تقبل التغيير والتبديل.
وقد استطاع المؤلف بفضل القرائن التاريخية أن يكشف اللثام عن كثير من الاحداث التاريخية، وأن يوضح للباحثين الحقائق من أقرب طريق، وإن كان المؤلف قد جاء ببعض هذه الحقائق في صورة مذهلة مدهشة لمخالفتها ما اعتاده الناس وتوارثوه في معتقداتهم. ولكن الحق أحق أن يتبع.
ولكي تقف بنفسك على صدق هذا القول فما عليك إلا أن تقرأ هذه الاحداث التاريخية التي أوردها المؤلف في كتابه واختلفت فيها الروايات مثل " بعث أسامة " و " وفاة الرسول عليه السلام " و " حديث السقيفة "... وغيرها.
استطاع المؤلف أن يصل إليها بفضل إفادته من مقارنة النصوص ومعرفة سقيمها من صحيحها في هذه الأبحاث الثلاثة. وقس على ذلك ما جاء في سائر أبحاثه خلال هذا السفر الجليل، الذي سيغير الكثير من وجه التاريخ الاسلامي.
وأحب أن أذيل هذا التعليق بثلاثة أسئلة.
الأول: هل يخطئ الصحابي الجليل؟
الثاني: هل يجوز نقد الصحابي الجليل؟
الثالث: هل يجوز تكفير الصحابي الجليل أو اتهامه بالنفاق؟
مخ ۱۸
أما إجابتنا على السؤالين الأول والثاني فنعم. وأما الثالث فلا.
وليست " لا " هذه من باب الورع الذي لا يقوم على أساس من العلم، وإنما لعلة يقبلها العقل ويرتضيها المنطق. وذلك لان الكفر الخفي أو النفاق من باب " أفعال القلوب " التي لا يعلمها إلا الله، لذلك نمسك عنه القلم لأننا لا نستطيع إدخاله تحت " التجربة العلمية " لخفاء أمره علينا، وهو من اختصاصات علام الغيوب سبحانه. ذلك ما يقره " المنهج الحديث " الذي وضعنا أسسه واتبعنا ناموسه في سائر مؤلفاتنا.
* * * وأخيرا يسرني - باسم العلم - أن أعلن إعجابي بهذا السفر الجليل ولصاحبه العلامة المحقق السيد مرتضى العسكري، كما يسرني بهذه المناسبة أن أنوه عن الجهد العظيم الذي بذله السيد مرتضى الرضوي الكشميري الذي أعان القراء والباحثين على إخراج هذا السفر إلى حيز الوجود (1) في هذه الصورة الجميلة من الطباعة الدقيقة. وهو بنشره هذا البحث القيم قدم للعالم الاسلامي خدمة عظيمة سيكون لها أكبر الأثر في تقويم الحقائق التاريخية في الاسلام.
الدكتور حامد حفني داود القاهرة: أول جمادى الأولى 1381 ه 12 أكتوبر 1961 م.
مخ ۱۹
ج - مقالان لمجلة الأزهر الشريف (1) أهم ما جاء فيهما قوله: " أما أصحاب رسول الله فلندع خلافاتهم التي قد مضى عليها أربعة عشر قرنا، وقد أفضوا جميعا إلى ربهم... " (2).
تعليقنا على هذا: أولا: إن دراستنا المقارنة لأحاديث سيف فرضت علينا ذلك، فإن أحاديثه في كتاب (عبد الله بن سبأ) كانت كالأسطورة السبئية نفسها تدور غالبا حول خلافات أصحاب رسول الله، فكان لابد لنا من متابعته هناك كما تابعناه في كتاب (خمسون ومائة صحابي مختلق)، ودار الحديث فيه غالبا حول الفتوح تبعا له، إذن فدراستنا المقارنة هي التي تفرض علينا - أحيانا - الحديث عن مواضيع يهتم العلماء بإغفالها وإسدال الستار عليها، ويثير شجونهم البحث والتحقيق فيها، كراهية منهم لما وقع، ونحن - أيضا - نكره ما وقع كما يكرهون، ويثير شجوننا حديثه والتفكير فيه كذلك، ولكن ماذا نصنع حين لم يخلق الله أصحاب النبي ملائكة ليتخلوا عن غرائز البشر!؟ بل كانوا كسائر البشر على درجات متفاوتة من الايمان
مخ ۲۰
والتثبت. أجرى النبي الحد على بعضهم، ونزلت في بعضهم آيات الإفك، وفي بعضهم آيات النفاق، ومع كل هذا لا نعلم كيف يسوغ لنا أن نترك أصحاب النبي وخلافاتهم وهم طريقنا إلى رسول الله في أخذ أحكام الاسلام وعقائده، وهل يستلزم احترام أصحاب النبي لصحبتهم له وجهادهم في سبيل الاسلام منع البحث والتحقيق، وسد باب العلم باسم الدين والاسلام - كما أغلقنا باب الاجتهاد قرونا طويلة -؟ اللهم إنا لا نقر ذلك، بل نخوض البحث والتحقيق للاسلام وباسم الدين وللعمل به.
ثانيا: ليتنا نعلم أن ما يظهره العلماء قديما وحديثا من الغيرة على كرامة أصحاب النبي هل تشملهم جميعا؟ سواء منهم المعدم والأمير، وإكبارا لشرف صحبة النبي فيهم، أم أنها تخص ذوي الجاه والسلطة منهم. واحتراما منهم - من حيث يشعرون أو لا يشعرون - لمركز القدرة والسلطة في بعضهم فحسب!؟ الذي يثبت للمتتبع النقيد هو الأخير، فإنك مثلا إذا رجعت إلى الطبري (1) في حوادث سنة 30 ه من تاريخه وجدته يقول: " وفي هذه السنة أعني سنة ثلاثين كان ما ذكر من أمر أبي ذر ومعاوية وإشخاص معاوية إياه من الشام إلى المدينة وقد ذكر في سبب ذلك أمور كثيرة كرهت ذكر أكثرها، فأما العاذرون معاوية في ذلك فإنهم ذكروا في ذلك قصة كتب إلي بها السري يذكر أن شعيبا حدثه سيف... " الحديث.
وإذا رجعت إلى ابن الأثير في تاريخه الكامل (2) وجدته يقول:
مخ ۲۱
" وفي هذه السنة كان ما ذكر من أمر أبي ذكر وإشخاص معاوية إياه من الشام إلى المدينة وقد ذكر في سبب ذلك أمور كثيرة من سب معاوية إياه وتهديده بالقتل وحمله إلى المدينة من الشام بغير وطاء ونفيه من المدينة على الوجه الشنيع لا يصلح النقل به... ".
فالطبري هنا حين كره ذكر كثير من الأمور التي جرت بين أبي ذر ومعاوية لم يترك ذكرها بالمرة، وإنما اختار ذكر حديث سيف الذي يرويه " العاذرون معاوية " مع ما فيه من حط لكرامة الصحابي أبي ذر، وتنقيص لدينه، وتسخيف لعقله، وافتراء عليه في عمله، مع ضعف سنده (1)، ومخالفته للاخبار الكثيرة الصحيحة لان فيها عذر معاوية، وهكذا ضحى إمام المؤرخين الطبري بكرامة الصحابي الفقير في سبيل الحفاظ على كرامة معاوية الأمير! وكذلك فعل ابن الأثر، وابن كثير، وابن خلدون (2) إلى غيرهم، وإلى عصرنا الحاضر، ولذلك راج تاريخ الطبري، ونبه اسمه أكثر من غيره، وهكذا انتشرت أحاديث سيف المتهم بالزندقة.
إذن فهؤلاء العلماء وغيرهم إنما يهمهم الحفاظ على كرامة أصحاب الجاه والسلطة ك:
* - معاوية بن أبي سفيان الذي اعتبره الرسول من المؤلفة قلوبهم (3) مع أبيه، ودعا عليه بقوله: " لا أشبع الله بطنه " (4) لأنه ولي السلطة.
مخ ۲۲
* - وعبد الله بن سعد بن أبي سرح الذي أسلم وكتب للرسول ثم ارتد وافترى على الرسول والقرآن فأهدر النبي دمه يوم فتح مكة، لأنه ولي الامرة على مصر (1).
* - والوليد أخي الخليفة عثمان الذي نزلت في حقه: * (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) * (2). لأنه ولي الكوفة.
* - ومروان بن الحكم الذي طرده الرسول مع أبيه إلى الطائف لأنه ولي الحكم (3).
إن هؤلاء ونظراءهم من سادة قريش ومن أفراد الأسر الحاكمة وممن ولي السلطة والامرة يجب المحافظة على كرامتهم، أما نظراء أبي ذر الغفاري الصحابي الزاهد الفقير، وعمار بن ياسر الصحابي الورع، ابن الأمة سمية!
والصحابي البر عبد الرحمن بن عديس البلوي من أصحاب بيعة الشجرة الذين نزلت فيهم: * (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا) * (4)، والصحابيين زيد وصعصعة ابني صوحان العبدي، إلى عشرات من أمثالهم من أبرار الصحابة وأخيار التابعين من غير السادة الامراء من قريش. لندع
مخ ۲۳
سيف بن عمر يطعن فيهم، ويختلق يهوديا من صنعاء اليمن يزعم أنه جمعهم حول نفسه وكون منهم السبئية وتآمر معهم على بني أمية أصحاب السلطة والجاه!!!
* * * انتشرت نظائر هذه الأساطير التي وضعها مختلقوها للدفاع عن ذوي السلطة والجاه، والحط من كرامة معارضيهم، وراجت على مر العصور حتى أصبحت من الحقائق التاريخية التي لا يتطرق الشك إليها، ويرى العلماء من الدين المحافظة عليها! وهذا ما حدا العلماء، أن يحجروا البحث حول الصحابة! إذن فما وسموه باسم الدين يقصد منه المحافظة على أصحاب السلطة. أما المستضعفون من الصحابة والتابعين الأبرار فلا يستأثرون باهتمام العلماء إذا لم يكونوا ممن تابعوا السلطة وشايعوها! رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
وأخيرا يشهد الله أن الذي حداني إلى هذه الدراسات: أني كنت منذ الصغر تواقا إلى معرفة حياة الرسول والذين كانوا معه، وإلى معرفة الاسلام. كيف بدئ، كيف انتشر، كيف انحسر، أنفقت جل عمري في هذا السبيل، ثم نشرت نتيجة دراساتي تباعا بقصد المساهمة في الوصول إلى معرفة ما وقع في ذلك العصر، وعساني أن أتلقى من الباحثين توجيها وتسديدا في ما أنا بصدده مع ثقتي بنفسي أني لست أقل حبا وتقديرا لأصحاب النبي من المتظاهرين بذلك إلا من ثبت تاريخيا نفاقهم. غير أني أعي الفرق بين احترام الصحابي وعبادته، وأرى أن هؤلاء العلماء قد جرهم احترام الصحابة إلى حد التقديس والتعبد، وأصبح بعضهم - والعياذ بالله - من زمرة عباد السلف الصالح من حيث لا يشعرون، نسأل الله أن يعصمنا
مخ ۲۴