1
وكانت نافذة الكلمة عند الرشيد وهو يتبرك بمشورتها، ولها في الإسلام مآثر لم يسبقها إليها أحد؛ مثل حفرها للعين المعروفة بعين المشاش بالحجاز، فإنها حفرتها ومهدت الطريق لمائها في كل منخفض ومرتفع، وسهل وجبل، حتى أخرجتها مسافة اثني عشر ميلا إلى مكة، فبلغ ما أنفقته 1700000 دينار، فضلا عن المصانع والدور والبرك والآبار بالحجاز والثغور مما أنفقت الألوف عليه، غير ما كانت تنفقه على أهل الفاقة. وكان لها مائة جارية يحفظن القرآن، ولكل واحدة ورد عشر من القرآن، حتى كان يسمع في قصرها كدوي النحل من القراءة.
وهي أول من اتخذ الآلة من الذهب والفضة المكللة بالجواهر، وصنع لها الوشي الرفيع، حتى بلغ ثمن الثوب من الوشي الذي اتخذ لها 50000 دينار. وهي أول من اتخذ الشاكرية من الخدم والجواري، وأول من اصطنع القباب من الفضة والأبنوس والصندل، وكلاليبها من الذهب والفضة ملبسة بالوشي والسمور والديباج، وأنواع الحرير من الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق.
واتخذت الخفاف المرصعة بالجواهر، وأضاءت شمع العنبر على منائر من الذهب. وقد تشبه الناس بها في سائر أحوالهم.
2
وكان لها قصر في بغداد على شاطئ دجلة الغربي يسمى قصر زبيدة، ويلقب «دار القرار»، يقع جنوبي قصر الخلد شرقي مدينة المنصور، وحوله الحدائق والبساتين مما لم يكن له شبيه في تلك الحضارة الزاهرة.
وكانت زبيدة شديدة العصبية لبني هاشم، وفي صدرها حقد على البرامكة، وخاصة جعفر بن يحيى الوزير؛ لأنه كان يحط من قدر ابنها الأمين، ويرفع من شأن أخيه المأمون، مع أن أمه جارية. وآخر ما زاد من نقمتها عليه أنه حمل الرشيد على أن يبايع للمأمون بولاية العهد مع ابنها الأمين، وكانت تحب أن تكون البيعة له وحده. وزد على ذلك أن الرشيد سار سنة 186ه إلى الكعبة حاجا، ومعه أبناؤه ووزراؤه وقواده وقضاته، وفي جملتهم ابناه الأمين والمأمون؛ ليعهد لهما بولاية العهد، وجعفر البرمكي؛ ليشهد العقد، فكتبوا الكتابين وعلقوهما في الكعبة، وحلف كل منهما على الثبات - وكانت زبيدة حاضرة - فلما حلف الأمين وأراد الخروج من الكعبة، رده جعفر وقال له: «فإن غدرت بأخيك خذلك الله.» وطلب منه أن يحلف على ذلك ثلاث مرات، ففعل. فحقدت زبيدة عليه، وما برحت منذ ذلك الحين تترقب الفرص للإيقاع به. وربما كانت أكثر أعداء البرامكة حقدا عليهم، لا تدخر وسعا في استطلاع أخبارهم؛ لعلها تجد فرصة تتمكن بها منهم. وكانت تعلم أن جعفر يتردد على العباسة، ولكنها لم تكن مطلعة على خبر الطفلين، ولو علمت ما أحجمت عن كشف أمرهما لزوجها؛ لأنها لم تكن تتهيب منه لما تعلمه من منزلتها عنده.
فلما كان صباح ذلك اليوم وحدث ما حدث من الغوغاء عند دار الرقيق، اطلع على خبر الطفلين أحد جواسيسها عند العباسة، فنقل الخبر إليها، فرأت أن تغتنم أول فرصة لاطلاع الرشيد عليه، ولكنها أحبت أن تفاوض ابنها الأمين في ذلك، فأرسلت في طلبه، كما تقدم.
وبكر الأمين في صباح اليوم التالي إلى دار القرار إجابة لطلب والدته، فركب جواده والغلمان يسيرون في ركابه يتقدمهم فارس يحمل الحربة بين يديه، على عادتهم في المسير بين يدي ولي العهد في ذلك الحين،
3
ناپیژندل شوی مخ