أبطال الرواية
مراجع هذه الرواية
1 - مدينة بغداد
2 - أبو العتاهية
3 - غريبان
4 - عتبة
5 - دار فنحاس
6 - التلصص
7 - العباسة
8 - البغتة
ناپیژندل شوی مخ
9 - الهاجس
10 - طارق
11 - دار الرقيق
12 - ألوان من الرقيق
13 - الجواري المولدات
14 - المساومة
15 - القبض على أبي العتاهية
16 - الصولجان والكرة
17 - قصر العباسة
18 - المقابلة
ناپیژندل شوی مخ
19 - الرأي الصواب
20 - قصر الأمين
21 - جعفر بن الهادي
22 - محمد الأمين
23 - مناطحة الكباش
24 - دار النساء
25 - مجلس طرب
26 - المغنيات وأبو نواس
27 - الطرب بالطعن
28 - إسماعيل بن يحيى
ناپیژندل شوی مخ
29 - الدهشة
30 - مقتل الهادي
31 - البرامكة والدولة
32 - العالية بنت الرشيد
33 - خبر جديد
34 - زبيدة بنت جعفر
35 - دار القرار والجواري المقدودات
36 - المشورة والحيلة
37 - قصر الخلد
38 - وفد ملك الهند
ناپیژندل شوی مخ
39 - مجلس الرشيد
40 - الفشل
41 - عبد الملك بن صالح
42 - المناجاة
43 - باب الرشيد
44 - مجلس المنادمة
45 - تغير الحال
46 - السر
47 - مداعبة السباع
48 - المداجاة
ناپیژندل شوی مخ
49 - الخروج للصيد
50 - المفاوضة
51 - التصريح
52 - إسماعيل وجعفر
53 - العباسة وأرجوان
54 - الرشيد وزبيدة
55 - كشف السر
56 - الانتقام
57 - التردد
58 - العباسة والرشيد
ناپیژندل شوی مخ
59 - الجدال
60 - عذر الرشيد
61 - الفتك
62 - الوداع
63 - عتبة وحارس القصر
64 - الدعوة
65 - الرشيد ورأس جعفر
66 - قضي الأمر
67 - الحسن والحسين
أبطال الرواية
ناپیژندل شوی مخ
مراجع هذه الرواية
1 - مدينة بغداد
2 - أبو العتاهية
3 - غريبان
4 - عتبة
5 - دار فنحاس
6 - التلصص
7 - العباسة
8 - البغتة
9 - الهاجس
ناپیژندل شوی مخ
10 - طارق
11 - دار الرقيق
12 - ألوان من الرقيق
13 - الجواري المولدات
14 - المساومة
15 - القبض على أبي العتاهية
16 - الصولجان والكرة
17 - قصر العباسة
18 - المقابلة
19 - الرأي الصواب
ناپیژندل شوی مخ
20 - قصر الأمين
21 - جعفر بن الهادي
22 - محمد الأمين
23 - مناطحة الكباش
24 - دار النساء
25 - مجلس طرب
26 - المغنيات وأبو نواس
27 - الطرب بالطعن
28 - إسماعيل بن يحيى
29 - الدهشة
ناپیژندل شوی مخ
30 - مقتل الهادي
31 - البرامكة والدولة
32 - العالية بنت الرشيد
33 - خبر جديد
34 - زبيدة بنت جعفر
35 - دار القرار والجواري المقدودات
36 - المشورة والحيلة
37 - قصر الخلد
38 - وفد ملك الهند
39 - مجلس الرشيد
ناپیژندل شوی مخ
40 - الفشل
41 - عبد الملك بن صالح
42 - المناجاة
43 - باب الرشيد
44 - مجلس المنادمة
45 - تغير الحال
46 - السر
47 - مداعبة السباع
48 - المداجاة
49 - الخروج للصيد
ناپیژندل شوی مخ
50 - المفاوضة
51 - التصريح
52 - إسماعيل وجعفر
53 - العباسة وأرجوان
54 - الرشيد وزبيدة
55 - كشف السر
56 - الانتقام
57 - التردد
58 - العباسة والرشيد
59 - الجدال
ناپیژندل شوی مخ
60 - عذر الرشيد
61 - الفتك
62 - الوداع
63 - عتبة وحارس القصر
64 - الدعوة
65 - الرشيد ورأس جعفر
66 - قضي الأمر
67 - الحسن والحسين
العباسة أخت الرشيد
العباسة أخت الرشيد
ناپیژندل شوی مخ
تأليف
جرجي زيدان
أبطال الرواية
هارون الرشيد:
الخليفة العباسي.
جعفر البرمكي:
وزير الرشيد.
العباسة:
أخت الرشيد.
زبيدة:
ناپیژندل شوی مخ
زوجة الرشيد.
أبو العتاهية:
شاعر الرشيد.
الأمين:
ابن هارون الرشيد.
عتبة:
جارية العباسة .
الفضل بن الربيع:
وزير الأمين.
مسرور الفرغاني:
ناپیژندل شوی مخ
الجلاد.
مراجع هذه الرواية
هذه هي المراجع التي اعتمد عليها المؤلف في تأليف الرواية ووقائعها التاريخية:
تاريخ الطبري - الفخري - ابن الأثير - أبو الفداء - المسعودي.
كتاب الأغاني، لأبي الفرج الأصفهاني.
تاريخ ابن خلكان.
العقد الفريد.
إعلام الناس، للإتليدي.
مروج الذهب للمسعودي.
فوات الوفيات.
ناپیژندل شوی مخ
نفح الطيب.
ديوان أبي نواس.
سراج الملوك.
الفرج بعد الشدة.
الفصل الأول
مدينة بغداد
كانت عاصمة الإسلام في أيام الراشدين يثرب (المدينة) تبركا بقبر النبي
صلى الله عليه وسلم ، فجعلها بنو أمية في دمشق مقر أحزابهم من قبائل العرب. فلما أفضت الخلافة إلى بني العباس، وقد ساعدهم عليها مواليهم الفرس، جعلوا عاصمة ملكهم على حدود بلاد الفرس. وكانوا أولا في الكوفة؛ إذ بايعهم أهلها، ثم انتقلوا إلى الأنبار على الفرات، وفيها توفي السفاح؛ أول الخلفاء العباسيين، وخلفه المنصور. وأول شيء قام به قتل أبي مسلم خوفا منه على منصبه. فقتله غيلة كما تقدم في رواية «أبي مسلم الخراساني»، فأصبح المنصور بعد قتله يخشى على نفسه من أصحاب أبي مسلم وأشياعه، وخاصة بعد أن ثار عليه منهم جماعة الراوندية، وكادوا يفتكون به لو لم يدافع عنه معن بن زائدة. وقد فتك رجال المنصور بالراوندية وقتلوهم، لكنه ظل خائفا من مثل هذه الثورة، فعمد إلى بناء حصن يأوي إليه بأهله ورجال حكومته، فبنى بغداد بشكل مستدير سمي مدينة المنصور، وجعل قصره في منتصفها وسماه قصر الذهب، وجعل قصور الأمراء ورجال الدولة وأبنية مصالح الدولة حوله، وبينها الأسواق للبيع والشراء، وبنى حول المدينة سورا في ثلاثة أسوار الواحد داخل الآخر: الأول أو الداخلي يحيط بالأبنية، ووراءه فراغ فيه أبنية كالقلاع ونحوها، ووراء الأبنية سور ثان متين وراءه فراغ للمرور حوله، ووراء هذا الفراغ سور ثالث، ووراء هذا السور خندق فيه الماء، وجعل للمدينة أربعة أبواب سماها بأسماء المدن التي تتجه نحوها؛ وهي أبواب: البصرة، والكوفة، والشام، وخراسان، وافتتح فيها أربعة شوارع كبرى تمتد من الأبواب إلى مركز المدينة.
وكان المنصور يقيم أولا في قصر الذهب في منتصف مدينته، ثم اطمأن باله وازدحمت المدينة، فشيد قصرا خارج المدينة على شاطئ دجلة سماه قصر الخلد. وظل القصران مقر الخلفاء بعد المنصور إلى أيام الرشيد. وكان الرشيد يفضل الإقامة في قصر الخلد وأكثر إقامته فيه.
على أن مدينة المنصور لم تكن وحدها كافية لإقامة الجند ومن يلحق بهم من الباعة والأهل وغيرهم، ناهيك بمن تقاطر إلى تلك العاصمة من المسلمين وغير المسلمين، فابتنوا المنازل خارج المدينة، ورأى المنصور أن يقلل الازدحام، فرغب الناس في السكنى على البر الشرقي في مكان سمي الرصافة، وأنشأ فيه مسجدا وقصرا، فابتنى الناس حولهما المنازل. واتفق أن ابنه المهدي جاء بجيشه من خراسان فنزلوا في الرصافة؛ لأنها آخر طريقهم برا من خراسان، فأمرهم المنصور أن يبقوا هناك، وأقطعهم القطائع، فبنوا المنازل، وأصبحت الرصافة بلدا كبيرا. وكانت في بادئ الأمر معسكرا يعرف بمعسكر المهدي، ثم امتدت جنوبا وشمالا فتولدت أحياء المخرم والشماسية. وأقام الخلفاء الدور على ضفاف دجلة شرقا وغربا. يهمنا منها في هذا المقام قصر الخلد، وقصر زبيدة، وكلاهما على الضفة الغربية، وقصر جعفر البرمكي، ووراءه قصر الأمين على الضفة الشرقية.
ناپیژندل شوی مخ
ونشأت حول مدينة المنصور أحياء أخرى على الجانب الغربي، أهمها الكرخ، وفيه كان يقيم التجار من الأجانب وخاصة الفرس، وحي الحربية في الشمال، وأكثر سكانه من العرب، فكانت بغداد في أيام الرشيد قسمين: قسما شرقيا، وقسما غربيا، بينهما ثلاثة جسور أهمها الأوسط، ويعرف بالجسر أو جسر بغداد، وهو يوصل بين مدينة المنصور والرصافة رأسا. وكان في بغداد على عهد الرشيد وما بعده أنهار تنبع من دجلة والفرات وتخترق أحياء المدينة. وقد بنى الناس قصورهم على ضفافها أو فيما بينها، أشهرها: نهر عيسى، ونهر طابق، ونهر الدجاج، ونهر البزازين، ونهر الصراة، ونهر جعفر، وغيرها.
وكانت بغداد في أيام الرشيد آهلة بالقصور والحدائق، وأهلها في رغد ورخاء، والأموال تنصب في خزائنها بالملايين، والخليفة يهب ويجيز، والناس يتقاطرون إلى بغداد التماسا للتكسب بما يرضي الخليفة أو رجاله من أسباب الارتزاق، وفيهم العربي، والفارسي، والرومي ، والتركي، والكردي، والأرمني، والكرجي، والسندي، والهندي، والصيني، والزنجي، والحبشي ... على اختلاف الأجناس، بين صانع، وتاجر، ونخاس، وشاعر، ومغن، وأديب، ونحوي، وراو ... وفيهم المسلم، والذمي، والحر، والمولى، والعبد، والغلام، والجارية. وكلهم يحومون حول دار الخلافة أو دور الأمراء يبيعونهم السلع، أو يتملقونهم بالمديح، أو يدسون إليهم أسباب الزلفى استنزافا للأموال. وهؤلاء يبذلون الأموال بسخاء، يأنفون أن تعد عطاياهم بمئات الدراهم، وإنما يعدونها بالألوف وألوف الألوف. وكيف يقدرون قيمة المال وهو ينصب في خزائنهم انصباب السيل ... إذ كانوا يشاطرون أهل الأرض غلاتهم فضلا عن الجزية والغنيمة، فإذا صار ذلك إلى الخليفة وأمرائه استكثروه فأنفقوه على من يحوم حولهم من المقربين.
الفصل الثاني
أبو العتاهية
وكان في جملة المرتزقين بالشعر على أبواب الخلفاء أبو العتاهية، وأصله من الموالي مثل أكثر شعراء ذلك العصر.
وكان أبو العتاهية في أول أمره يصنع الجرار، ويحملها في قفص على ظهره، ويتجول في الكوفة ليبيعها، وكان ذا قريحة شعرية فنزل بغداد، وما لبث أن ارتقى بشعره إلى مجالسة الخلفاء. وأول من قربه منهم المهدي بن المنصور، وقد فتن به وبشعره حتى كان المهدي يصحبه في الصيد أو النزهة ويكرمه ويجيزه. وكان ذلك شأنه مع الهادي بن المهدي، ولم تطل مدة حكم الهادي، ولكنها على قصرها أثرت في قلب أبي العتاهية، فلما مات الهادي عاهد أبو العتاهية نفسه ألا يقول شعرا بعده.
فلما تولى هارون الرشيد طلب إليه أن يقول شعرا فأبى، فغضب عليه، وأمر بحبسه في مكان مساحته خمسة أشبار في خمسة، فاستعطفه وقال شعرا غنى به الموصلي؛ المغني المشهور، فأمر له الرشيد بخمسين ألف درهم، وأصبحت له عند الرشيد منزلة كبيرة، حتى كان لا يفارقه في حضر ولا سفر إلا في طريق الحج، وعين له الرشيد راتبا سنويا غير الجوائز، وغير ما كان يناله من رجال الدولة وجوائزهم يومئذ بألوف الدراهم، فجمع مالا كثيرا، لكنه كان مع ذلك طماعا شديد البخل يجمع المال ولا ينفقه، ولا يدخر وسعا في حشده بأية طريقة كانت، وخاصة بعد أن نذر الزهد وعاهد نفسه ألا ينظم شعرا، فقل تكسبه من الشعر، فأخذ يغتنم الفرص للاكتساب من أبواب أخرى.
وكان أبو العتاهية في خلافة الرشيد حوالي سنة 178ه يحضر مجلس محمد الأمين بن الرشيد، وهو يومئذ في السابعة عشرة من عمره. وكان الأمين ميالا إلى القصف واللهو منذ نعومة أظفاره لا يخلو مجلسه من المغنين، وأهل الخلاعة، والجواري، والغلمان، وهو أول من استكثر من الغلمان والخدم، وتفنن في انتقائهم وتزيينهم. وكان يشهد مجلسه كثيرون من الشعراء، ولا سيما أهل القصف والمجون منهم؛ كالحسن بن هانئ الملقب بأبي نواس. وكان أبو العتاهية مقربا من زبيدة أم الأمين، فكان يحضر مجلس الأمين لعله يصيب كسبا أو جائزة بسبيل من السبل. وكان الأمين كريما مسرفا لا يعرف للمال قيمة.
وكان لا يشهد مجلس الأمير من أهل الجد والدهاء إلا من كان له غرض سياسي لا يرى الوصول إليه إلا على يد الأمين، أو تقربا به إلى أمه زبيدة، وهي أحب نساء الرشيد إليه؛ لأنها ابنة عمه، ولها كلمة نافذة عليه.
وكان أكثر نساء الخليفة يومئذ من الجواري المعتقات؛ ولذلك لم يكن بين العباسيين خليفة أمه وأبوه هاشميان إلا الأمين، فكان الذين يحبون التقرب من الرشيد بالدالة أو الوساطة أو الدسائس يتزلفون إليها بالثناء على ابنها، مع اعتقادهم أنه ليس أهلا للخلافة، ويطعنون على أخيه المأمون؛ لأن أمه جارية فارسية، ويحطون من قدره عندها ... وهو في الحقيقة أفضل من ابنها عقلا وأدبا.
ناپیژندل شوی مخ
وكان أكثر الناس سعيا في هذا السبيل الفضل بن الربيع؛ لأن أباه كان وزيرا للمنصور والمهدي، وكان هو يرشح نفسه للوزارة. فلما تولى الرشيد الخلافة قرب يحيى بن خالد البرمكي، وفوض إلى ابنه جعفر بن يحيى الوزارة بكل معانيها؛ لأن أباه يحيى كان سببا في توليه الخلافة، فشق ذلك على الفضل بن الربيع، وثارت في نفسه عوامل الحسد، ولم يدخر وسعا في خلق الأسباب للإيقاع به، ولم يجد سبيلا إلى ذلك إلا بالتزلف إلى زبيدة وابنها؛ لعلمه أنها تكره الفرس جملة والبرامكة خاصة، ولا سيما جعفر بن يحيى؛ لأنه حمل الرشيد على مبايعة المأمون «ابن جاريتها» بولاية العهد بعد ابنها الأمين، فكانت تقرب كل من ينصر ابنها ويطعن على المأمون؛ ولذلك كان الفضل يحضر مجلس الأمين في لهوه، ويسايره في قصفه، ويتملقه للغرض الذي قدمناه.
فاتفق في مجلس حضره أبو العتاهية تلك السنة أن ذكر الأمين عزمه على ابتياع بعض الجواري البيض ممن يحسن الغناء، يضمهن إلى اللواتي في قصره. وأكثر المغنيات يومئذ من الجواري الصفر.
وكانوا يقتنون الجواري البيض للترفيه فقط. وأول من علم الجواري البيض الغناء إبراهيم الموصلي مغني الرشيد، فأحب الأمين أن يتخذ مغنيات من البيض، فأخبره الفضل بن الربيع أن كبير النخاسين أتى بعدد من الجواري الحسان أنزلهن عند كبير من تجار الرقيق في بغداد، وهو يهودي واسمه فنحاس، وأن الناس معجبون بجمالهن الفتان، فيمكنه ابتياع بعضهن، ويعهد إلى الموصلي أن يعلمهن الغناء. وأخذ الفضل على نفسه أن يذهب في الغد إلى ذلك التاجر، فينتقي له أحسنهن طلعة، وأطربهن صوتا، فلما سمع أبو العتاهية ذلك، توقع منه ربحا كبيرا بالتواطؤ مع فنحاس؛ لعلمه أن الأمين لا يهمه مقدار ما يدفعه من المال في هذا السبيل.
وكانت الشمس قد مالت إلى المغيب، فرأى أن يذهب في تلك الليلة إلى فنحاس يخبره بعزم الأمين، وأنه هو الذي حمله على ابتياع الجواري من عنده، ويغريه على زيادة مبالغ كبيرة على الثمن الذي يقدره هو، على أن تكون تلك الزيادة مقابل سعيه في ذلك.
الفصل الثالث
غريبان
فهرول أبو العتاهية من ساعته يتلمس دار ذلك التاجر، والمسافة بينهما بعيدة؛ لأن قصر الأمين في جنوب المخرم في الجانب الشرقي من بغداد، ودار فنحاس في أعالي الجانب الغربي، بقرب دار الرقيق التي أنشأها المنصور؛ لما كان يبتاعه من الجواري والغلمان المجلوبين. وكان أبو العتاهية أبيض اللون، أسود الشعر، نظيف الثياب، له هيئة حسنة. وقد عرف باللباقة والحصافة. وكان تلك الليلة في ملبس بسيط غير ما تعود لبسه في مجلس الخليفة أو ابنه أيام كان ينظم الشعر ، وكان منذ عاهد نفسه على الزهد يلبس ثياب الفقراء. ولعل بخله حفزه إلى ذلك. وكان يلبس فوق ثيابه عباءة بسيطة، ويعتم بعمامة بسيطة كأنه من عامة الناس، فالتف تلك الليلة بالعباءة وغير شكل عمامته إخفاء لحقيقة أمره؛ لأنه ذاهب في شأن يحتاج إلى التستر.
فمشى على شاطئ دجلة وهو يتردد بين أن يصعد في إحدى السفن التي تسير في دجلة حتى يصل إلى الجسر، وينزل من هناك ماشيا إلى دار الرقيق، أو يجعل طريقه كله برا. وكان يفضل الذهاب ماشيا فرارا من نفقة الانتقال بالسفينة، أو على دابة من دواب الأجرة، فلما أطل على دجلة رأى بالقرب من الشاطئ شراعا منشورا وسفينة تخترق عباب الماء على عجل، فاستبشر وعزم على الركوب بها. وكان الليل قد أسدل ستاره وسكنت الطبيعة لبعد ذلك المكان عن الشوارع المزدحمة في الكرخ؛ لأن أكثر الأبنية القائمة على ضفاف دجلة من القصور الشماء، والحدائق الغناء، للخليفة أو وزيره أو بعض أولاده أو أهله، فصاح أبو العتاهية بالسفينة أن تقف فلم يجد صياحه نفعا، فأعاد النداء، فأجابه ربانها بأنه لا يستطيع الوقوف، فأعاد الصياح قائلا: «قف. ناشدتك المروءة.»
فسمع أبو العتاهية عند ذلك لغطا، ورأى النوتية في حركة عند الشراع فأرخوه بحيث تبطئ السفينة في سيرها، ورأى حركة المجاذيف فعلم أن أهلها في عجلة لأمر ما، وليس لمجرد النزهة في مياه النهر على جاري عادة أهل بغداد. ولم تكن الليلة مقمرة تشجع على النزهة. وبرز رجل حتى وقف على حافة السفينة ونادى: «من أنت؟»
فقال أبو العتاهية: «إني غريب أمسى علي المساء، وأحب الطلوع إلى الحربية، ولا أعرف الطريق.»
ناپیژندل شوی مخ