فلما خلا جعفر بالأمين والفضل، أخذ في التهويل فيما سمعوه ليغريهما على الفتك بالبرمكي، فقال: «إن الصبر على هذا التطاول ضعف.» ولبث ينتظر ما يبدو من الأمين، فإذا هو يضحك ويقهقه، فاستغرب ضحكه فقال: «وما الذي يضحك مولاي؟ أظنه يرى أن شر البلية ما يضحك!»
قال: «كلا، ولكنني أضحك لما أتوقعه من استغرابك إذا سمعت ما قصه علي الفضل قبل مجيئك.» والتفت إلى الفضل كأنه يأمره بأن يروي الخبر.
فالتفت جعفر إلى الفضل فرآه يقول للأمين: «أظن مولاي يعني خبر مولاتي العباسة؟»
فأومأ برأسه أن: «نعم.»
فازداد جعفر شوقا لسماع الخبر، فأخذ الفضل يقص عليه ما جرى له في فجر ذلك اليوم في دار الرقيق، وما قصه عليه أبو العتاهية من تلصصه، وما رآه وما سمعه، وجعفر مصغ وقد تولته الدهشة. فلما فرغ الفضل من حديثه لم يتمالك جعفر أن وقف وصاح: «يا للخيانة! كيف تصبرون على ذلك؟ لماذا لا يعلم أمير المؤمنين بهذه الخيانة؟»
فقال الفضل: «أما خبر العباسة فلا يجرؤ أحد على نقله إلى الرشيد ما لم يعرض حياته لخطر؛ لما نتوقعه من غضبه، والعياذ بالله.»
فقال جعفر: «كيف نطلع على هذه الخيانة ونخفيها؟ إن إخفاءها خيانة أخرى.»
قال الفضل: «لا بد من الاحتيال في إبلاغه ذلك على يد مغنية بالإشارة أو التلميح أو التعريض. أما خبر فرار العلوي فيسهل نقله.»
فاقتنع جعفر بذلك لعلمه أن خبر العلوي وحده يكفي للفتك بجعفر. وهذا ما يتمناه ويرضيه. فأخذ يشجعه على الإسراع في نقله، ثم التفت إلى الفضل وكأنه قد فطن لأمر هام وقال: «وأين ذهب الطفلان ابنا العباسة؟ أرجو ألا يكون قد فاتكم إدراكهما، والقبض عليهما، والاحتفاظ بهما لحين الحاجة؛ لأن نقل الخبر إذا لم يكن مؤيدا بوجودهما فيا لشقاء ناقله!»
فقال الفضل: «لست ساذجا إلى هذا الحد. إنني حالما سمعت القصة، أنفذت جماعة من رجالي - وأبا العتاهية معهم - للقبض على الغلامين، ولم يرجعوا إلي بالخبر بعد، على أنني لست أخشى أن يعجزوا عن القبض عليهما.»
ناپیژندل شوی مخ