إلى هذا الحد كان أعظم عليه من ذلك الفشل، على أنه تماسك مخافة أن يظهر غضبه فيؤدي إلى النقمة عليه، وظل مطرقا والرشيد ينظر إليه ويراقب ما يبدو منه وهو يود الاكتفاء بما تقدم. فلما طال سكوت إسماعيل قال الرشيد: «إنه يؤسفني أن أرد طلبك لولا ما قلت لك من إتمام الخطبة، وأنت تعلم أن الرجوع عن ذلك لا يليق؛ فاطلب لابن أخينا منة أخرى.»
الفصل الأربعون
الفشل
فرفع إسماعيل بصره واغتنم رغبة الرشيد في التعويض عن رفضه لطلبه وقال: «صدق مولاي، إن الرجوع عن الوعد لا يليق بمقامه، وأنا أعلم ذلك؛ لثقل ما أقاسيه من رجوعي بخفي حنين بعد أن وعدت ابن أخي بهذا الشرف، وقد تسرعت في وعدي، ولكنني لم أفعل ذلك إلا رغبة في صيانة الدولة؛ لما يعلمه مولاي من غيرتي على سلامتها.»
فأدرك الرشيد ما يعرض به من الرغبة في إرضاء ابن أخيه الهادي ليشغله عن طلب الخلافة أو الوقوف في سبيلها. وقد تعود الرشيد أن يسمع من إسماعيل ما هو أكثر صراحة من ذلك مما لا يتجرأ سواه على بعضه، ومع ذلك فإن هذا التعريض أثار غضبه؛ لأن الخلفاء العباسيين لم يكونوا يغضبون لشيء مثل غضبهم لما يشتم من رائحة التعرض للملك ولو تلميحا، ولكنه تمالك وكظم
وأرباب الرأي السديد، وهم قليلون. وأما ابن أخي، فإنه من لحمي ودمي، وأحب له ما يرضيه، فهل من شيء تطلبه له غير خطبة العالية؟»
فقال: «أطال الله بقاء أمير المؤمنين. إني أراه يبالغ في مجاملتي، ولكن يسرني أن يعلم الغاية التي أقصدها، فأرجو منه أن يسند إلى ابن أخيه عملا يشغله. ونظرا لقرابته من الخليفة، فأطلب له ولاية مصر أو خراسان.»
فوجم الرشيد عند سماعه ذلك، وبدت البغتة في عينيه، وهز رأسه استغرابا لذلك الاتفاق وقال: «وهذا لا سبيل إليه يا عماه؛ فإني وعدت وزيري في صباح الأمس بولاية مصر لإبراهيم المذكور، وأما خراسان فقد وعدته بها لنفسه منذ أيام، وقد كتمت ذلك ولم أخبر به أحدا، ولولا أنك إسماعيل ما صرحت لك به.»
فضاق إسماعيل ذرعا من توالي الفشل على هذه الصورة، وعاد إلى الإطراق وإعمال الفكرة، ولم ير بدا من التصريح بغرضه من تلك الاقتراحات، فعاد إلى ما فطر عليه من حرية القول ونسي موقفه وما يعلمه من سوء العاقبة إذا غضب الرشيد فقال: «فليأذن لي أمير المؤمنين في أن أبوح له بما في ضميري، فأخاطبه باعتبار أنه هارون بن محمد وأنا ابن عمه إسماعيل بن يحيى.» وتنحنح واعتدل في جلسته والرشيد يتجلد لسماع قوله، وهو يكاد يتلقفه بعينيه من شدة التفرس.
فقال: «أنت تعلم غيرتي على سلامة هذه الدولة، وشدة محافظتي على بقاء هذا الخاتم بيد
ناپیژندل شوی مخ