البناء، دعا إليه رسل الملوك الذين كانوا على بابه فقال: كيف ترون مدينتي هذه؟
فقالوا: ما رأينا أحسن تقديرا ولا أحكم بناء ولا أحصن أسوارا منها. فقال: هل ترون فيها عيبا؟ فقال أحدهم: نعم. سوقها في جوفها والجواسيس لا ينكر عليهم مخالطة السوقة ومبايعتهم. وقال آخر: ومن عيوبها أيضا أنه ليس لها نهر يخترقها.
وقال آخر: ومن ذلك أنه لا مقبرة لها ولا ميدان فيها.
فأمر المنصور فعمل لها دولاب أجري ماؤه إلى القصر، فكان يخترقها حتى يوافي القصر، وقال هذا يقوم مقام النهر. فلم يزل ساج ذلك النهر والدولاب [34 أ] يصب فيه إلى أيام محمد بن عبد الله بن طاهر ثم قلع وعطل.
قال: وأمر بإخراج السوق إلى ناحية الكرخ وباب الشعير وقطيعة الربيع وما قرب من ذلك. وعمل ميدانا في الرحبة لقواده وخاصته. وعمل المقبرة المعروفة بمقبرة قريش، وذلك في سنة تسع وخمسين ومائة. وفي هذه السنة بنى قصره الذي يشرع إلى دجلة وسماه الخلد. وأمر بعقد الجسر عند باب الشعير، وجعل النفقة لذلك على يدي حميد بن القاسم الصيرفي (1).
قال: وكان فراغ المنصور من بناء مدينة السلام ونزوله إياها ونقل الخزائن والدواوين وبيوت الأموال إليها، سنة ست وأربعين ومائة. وكان استتمامه لبناء السور والفراغ من الخندق وأحكام جميع أمر المدينة سنة تسع وأربعين ومائة. ثم شخص في هذه السنة إلى حديثة الموصل لأمر أراده ثم انصرف.
وقال الشروي: لما قدم المهدي من الري وفد إليه أهل الكوفة وأهل الشام وغيرهم من وجوه الناس فهنؤه بمقدمه ولقوا المنصور فهنؤه أيضا، فأمر المهدي لعامتهم بالجوائز والخلع والحملان.
وقد كان المنصور أمره أن يقيم في الجانب الشرقي من مدينة السلام وأمره ببناء الرصافة، وأن يعمل بها سورا وخندقا وبستانا. فابتدأ بعمل ذلك وجعل النهر مخترقا لها حتى يدخل المسجد الجامع. فكان الناس يشربون منه يوم الجمعة.
مخ ۲۸۹