بالكرخ. وأمر التجار فابتنوا الحوانيت وألزمهم الغلة.
وروي أن رجلا من أهل الحيرة جاء إلى المثنى بن حارثة الشيباني فقال: ألا أدلك على قرية يأتيها تجار من مدائن كسرى والسواد ويجتمعون بها في كل سنة يوما ومعهم من الأحوال مما لا يحد. وهذه أيام سوقهم. فإن أنت أغرت عليهم أصبت فيها مالا يكون غناء للمسلمين وتقوية على عدوهم.
قال: فأي شيء يقال لهذه القرية؟
قال: بغداد.
قال: وكم بينها وبين المدائن؟
قال: بعض يوم.
قال: وكيف لي بها؟
قال: تأخذ طريق البر حتى تنتهي إلى الخنافس، فإن أهل الأنبار سيصيرون إليها ويخبرون عنك فيأمنون. ثم تعرج على أهل الأنبار وتأخذهم بالأولى وتسير ليلتك من الأنبار حتى تأتيهم صبحا فتغير عليهم وهم غارون.
فخرج من أليس إلى [29 ب] الخنافس ثم عرج حتى رجع إلى الأنبار. فلما أحسه صاحبها تحصن وهو لا يدري من هو- وذلك ليلا- فلما عرفه نزل إليه فأطمعه وخوفه واستكتمه وقال: إني أريد أن أغير فابعث معي الأدلاء حتى أغير منها على المدائن. قال: أنا أجيء معك. قال: لا، ولكن ابعث معي من هو أدل منك. فبعث معهم الأدلاء. حتى إذا كانوا بالمنصف قال لهم المثنى: كم بيننا وبين هذه القرية؟ قالوا: أربعة فراسخ. فقال لأصحابه: من ينتدب للحرس؟ فانتدب له قوم. فقال: اذكوا حرسكم ونزل. فلما كان في آخر الليل أسرى إليهم وصبحهم وهم في أسواقهم فوضع فيهم السيف، فقتل وأخذ ما شاء. ثم قال: يا أيها الناس! لا تأخذوا إلا الذهب والفضة ولا تأخذوا من المتاع إلا ما يقدر الرجل أن يحمله على دابته. وهرب أهل السوق. وملأ المسلمون أيديهم من الصفراء والبيضاء.
مخ ۲۸۰