ثملا من النبيذ ليلة فرادا الملك بعض الكلام فأمر فحفر لهما حفيرتان، بجانب البئر بظهر الكوفة فدفنا فيه حيين وفيهما يقول الشاعر:
ألا بكر الناعي بخيري بني أسد
بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
يعني خالد بن نضلة، وأمر ببناء طربالين عليهما وهما صومعتان، وجعل لهما في السنة يومين: يوم بؤس ويوم نعيم، فيذبح في يوم بؤسه كل من يلقاه، ويغرو بدمه الطربالين ما كان من شيء آدمي أو وحشي، وفي يوم بؤسه قتل عبيد بن الأبرص الأسدي الشاعر، وكان أول من أشرف عليه في يوم بؤسه، فقال له المنذر: هلا كان الذبح لغيرك يا عبيد، فقال عبيد: أتتك بحائن رجلاه فأرسلها مثلا، فقال المنذر: أجل بلغ أناه، فقال له المنذر: أنشدني. فقال: حال الجريض دون القريض، وبلغ الحزام الطبيين، فأرسلهما مثلا فقال المنذر: أسمعني. فقال:
عبيد المنايا على الحوايا، فأرسلها مثلا. فقال له بعض أصحاب الملك: أنشده هبلتك أمك. فقال عبيد: وما قول قائل مقتول، فأرسلها مثلا. فقال له آخر: ما أشد جزعك من الموت. قال : لا يرحل رحلك من ليس معك، فأرسلها مثلا، أي لا تدخل في أمرك من لا يهتم بك. قال المنذر: قد أمللتني فأرحني، قال عبيد:
من عز بز، فأرسلها مثلا ثم قتله. وكان سبب تركه لهذين اليومين رجل من طيء يقال له حنظلة، هم بقتله فتكفل به شريك بن عمرو بن شراحيل أبو الحوفزان على أن يرجع إلى أهله ويصلح حالهم، ثم يعود إليه فانقضت السنة ولم يرجع حنظلة فهم الملك بشريك، فلما وضع السيف على عنق شريك فإذا بحنظلة قد أقبل متحنطا متكفنا، فلما رآه المنذر عجب من وفائهما فخلى عنهما وأبطل السنة، وقال: لا أكون الأم الثلاثة.
والغري في اللغة ما يبس عليه الدم من صنم وغيره. ولما دخل معن بن زائدة الكوفة رأى الغريين قد انهدما فأنشأ يقول:
لو كان شيء مقيما لا يبيد على
طول الزمان لما باد الغريان
قد فرق الدهر والأيام بينهما
وكل إلف إلى بين وهجران
مخ ۲۱۵