وقبل أن ينفلت خيط موضعنا من يدي أقول أن ولوعي بالمطالعة في كثير من الفنون كبير وبالأدب خاصة أكبر حتى أني أهمل دروسي في بعض الأوقات ابتغاء مرضاته إذا نادى مناديه.أخلوبنفسي مع كتابي فأشعر براحة عظيمة لا يفوقها إلا حضور صديق أديب أراه بجانبي يشاركني في تصوراتي وأحلامي نبكي جميعا في مواضع البكاء ونبتسم في مكان الابتسام وقليل ما أرى أمثال هؤلاء الأصدقاء في وطننا القاحل من رجال الأدب والفن.ولهذا فإني لا أتلذذ براحة الانزواء في بلد أدباء أهلها.أما الآن فقد رزقنا جرائد حرة وطنية تخدم الأدب وأهله.وتسعى في الجمع بينهم وإن نأت بهم الأوطان وفرقهم الزمان فهي الرسول الأمين والمنبر السيار والشمس الناطقة فها إني أقدم إلى أعضاء أسرتي الحقة أسرة الأدب قطعة نثرية الوضع شعرية المعنى عثرت عليها في طريق جولاتي فأخذت من نفسي مأخذها وتعلقت بأذيال فكري فسقتها إلى ميدان الأسماع تحت عنوان المنفي « L’éxilé » للكاتب الفرنسي الشهير"لاموني" « Lamennais » وهومن فلاسفة القرن التاسع عشر المعدودين على الأصابع وقد ترجمتها من لغته الجميلة إلى لساننا البديع بتصرف كبير يقتضيه الذوق العربي رغم قصوري في اللغتين:
احفظ اللهم عبدك التائه المسكين ! !
واحرسه بعينك التي لا تنام ! !
فإنه هائم على وجهه في أرضك الواسعة ! !
"وارحمتا للغريب بالبلد النا زح ماذا بنفسه صنعا ! ! "
"فارق أحبابه فما انتفعوا بالعيش من بعده ولا انتفعا ! "
مررت بأمم شتى وقمت ما شاء الله بينهم.نظروني بعيونهم الجافة ونظرتهم بعيني الفريدة.كلموني فأجبتهم ولكن هل عرفوا حقيقة أمري؟ كلا. ! !
أواه على المنفي المسكين إنه غريب في بلاد الله.
انظر إلى هته الأشجار بظلالها وأثمارها وإلى تلك الأزهار بعبيرها وألوانها.إنها جميلة جدا إنها في غاية الحسن ولكن هل تجذبني لمناجاتها؟وهل تكلمني وأكلمها؟لا ! !
لماذا؟لأنها في وطن غير وطني ! ! وفي أرض غير أرضي ! !
مخ ۳۷