بسبب مكر المعارضة وكذبها» ويجهر برغبته في مشاهدة الغابة وحنة مرة ثانية مع ذلك، ويعترف لها بعد تجربة أسبوعين من وجوده في اللندتاغ بأن وجده السياسي يجاوز ما كان ينتظر بمراحل، ويكتب إليها بعد خمسة أسطر في الأسفل: «يا ليتني أتمكن من مخاصرتك مع كمال الصحة! يا ليتني أقدر على الانزواء معك في فسطاط صيد بالجبل حيث الغابة الخضراء وحيث لا أرى وجها بشريا غير وجهك! ألا إن هذا هو حلمي الدائم، ألا إن دق ناقوس الحياة السياسية يؤذي أذني يوما بعد يوم، آلغياب أم المرض أم الكسل هو سبب ذلك؟ أود أن أكون معك وحدك فأتأمل في الطبيعة، وربما كانت روح التناقض هي التي تجعلني أمد عيني في كل حين إلى ما لا أملك.»
والأمر يتجلى لنا هنا أيضا، فعندما كان بسمارك غير درب
10
بالسياسة والشئون العامة كان يوعز إلى خطيبته بأن تعد نفسها للحياة الدنيوية، ولم يكد بسمارك ينال ذلك حتى أخذ يحلم بفسطاط الصيد في الغابة، ويعرف بسمارك السبب، وهو يعرب لها عنه، وسيتوجع منه مدة أربعين سنة، وهنالك لب المسألة، وهنالك لغز طبيعته التي لا يرضيها أي مقام كان، ولا غرو؛ فهو بسمارك التائه.
الفصل العاشر
رجل قلق حاد الصوت غير عسكري مختال غافل مشمول بلطف الله، فذلك هو أمر فردريك ولهلم الرابع الذي كان يلقب بالراقص على الحبل، والذي لم يكن دوره بين الشعب والعرش غير دور الماجن، هو روائي غير جلي، ولكن مع تصوره في البداءة بخبث إمكان حله جميع المعضلات، وإمكان توجيهه الدول الشرقية ودولة فرنسة إلى العمل مع الحلف المقدس وتأسيسه الوحدة الألمانية وخدمته الرجعية والحرية معا، وهو يقول بعد افتتاح اللندتاغ الأول متظاهرا بالديمقراطية ومنجزا عهد والده: «إنكم ستقضون على العمل في نهاية الأمر لا ريب!» وهو يضيع الفرص عندما يجب عليه أن يعطي بسخاء، وهو يجهل روح العصر جهلا تاما، وهو عنيد غطريس، وهو يعتقد قدرته على الحكم بنفسه، وتدل هذه العلائم على ارتباك نفسي فيه، ولم ينشب هذا المرض أن بدا لكل ذي عينين، وإن ترك يؤذي بلاده مدة عشرين سنة قبل أن يعلن اختلال عقله رسميا، وهو يعطي الأمة آلة موسيقية، بيد أنه يهدد جميع من يجرءون على العزف عليها، وفيما هو يقول: «أرحب بكم أجمل ترحيب.» تراه يحرم على كل إنسان أن يدنو منه، وهو آخر ملوك بروسية، وأحد هؤلاء الملوك الذين يستطيع الواحد منهم أن يقول: «هنالك أمور لا يقدر على معرفتها غير الملك.»
ومما يصعب في ذلك الحين وجود شخص يبغضه أوتوفون بسمارك شونهاوزن مثل ذلك الملك، ويكثر بسمارك من التردد إلى البلاط سنة 1847 مع ذلك، ويشترك في النزه النهرية على الهافل،
1
ويقول: «لقد زرنا صديقنا الملك في عيد الفصح، فأكثر الأمراء من تدليلي.» ويهنئه الأمراء بخطبه في اللندتاغ، ويحجم الملك عن مثل ذلك؛ لكيلا يثير الريب حول استقلال مناضله الشاب بسمارك الذي كان الملك يعلم أنه لا يزال مستقلا، وكان مستشار الملك - ليوبولد ولودفيغ فون غرلاخ، أي القائد والرئيس، أي الأخوان الحسنا العرفان بالعالم - مستشارين لبسمارك أيضا، وكانا أسن منه بعشرين سنة، وكان لودفيغ بياتيا اجتمع ببسمارك عند آل تادن فأحبه كثيرا، ويوعز لودفيغ إلى بسمارك في النطق بخطبة طويلة وفق رغبة الملك.
وهكذا ينمو فيه بخطوط كبيرة غير مستقرة، أملان، وهما: أن يكون نافعا لنفسه وللملك معا، فيزيد نفوذه الشخصي بولائه للملك، ويروج خططه الخاصة بتأييده خطط الملك، ويمهد سلطانه في المستقبل بتوطيد سلطان الملك في الزمن الحاضر، وتسفر تلك الصلات الأولى بأنجية
ناپیژندل شوی مخ