3
عال للآلة الألمانية عند العمل، فقد أضرب المعدنون، ويريد الإمبراطور أن يعالج هذا الإضراب معالجة مثالية على حين يرى المستشار مكافحته بالدم والحديد، وبهذا يثبت بسمارك سوء فهمه لمعنى الحركة الاشتراكية وما تنطوي عليه هذه الحركة من قسر، فيبدو مخطئا أمام محكمة التاريخ، ويهدف بسمارك إلى استغلال هذا الإضراب ضد الحمر ولمقاصد انتخابية كما استغل محاولة اغتيال الإمبراطور ولهلم الأول فيما مضى، وذلك إلى أن وصل الإمبراطور «فجأة صالا مهمازيه» إلى مجلس الوزراء المنعقد مصرحا بأن المستصنعين هم المذنبون، وبأنه أمر هؤلاء بأن يجزلوا أجور العمال، وإن لم يفعلوا ذلك استرد جنوده، وهكذا يخشى الإمبراطور الشاب الثورة فيرغب في منع حدوثها بالإصلاحات، وهكذا يبتغي المستشار الشائب تبين معشر الثوريين فيصرعهم بالنار، ويبدو الإمبراطور ومستشاره متفقين في الظاهر. ويتعذر تطبيق جميع أفكار الإمبراطور الحديثة الصحيحة مبدأ في آن واحد أو بتلك الطريقة، والإمبراطور قد اقتبسها من بعض ندمائه الذين يتملقونه مبينين أنه يقوم بدور ملك الصعاليك.
ومن هؤلاء الندماء نذكر معلمه هنزبتر الذي لم يطق إطراء بسمارك بما يكفي عند محادثته والذي لم يتحدث عنه حتى في مذكراته التي كتبها بعد حين، ومن أولئك الندماء نذكر دوغلاس الذي يضارب على أسهم التعدين والذي هو مثر مسل فلم يلبث أن صار كونتا. ومن أولئك الندماء نذكر فون هيدن الذي هو مصور مدير لشركات التعدين فيرسم عاملا شائبا من شرق برلين فيبديه نبيا ويجعل منه عنوانا لفاقة الفقير.
والآن يحدث ما لم يحدث سابقا في حياة بسمارك، فيقدر قوة الخصم دون الحقيقة، ويغالي في الاعتماد على مركزه الخاص، ويدع شرذمة من الندماء يصنعون وفق هواهم مع أنه أخذ على عاتقه مناهضة طبقة بأسرها، وإذا عدوت فترة قصيرة وجدته قد أقام بفردريكسروه فيما بين شهر مايو سنة 1889 وشهر يناير سنة 1890، ولم يحذر حتى ما كان في تلك الأشهر الثمانية من تحريض الإمبراطور إياه غير مرة على الاستراحة حيث هو إلى أن يسترد صحته، وقد لا يستطيع الزوج المسن الذي يتزوج زوجا فتاة أن يشترك في ألهياتها، ولكنه إذا كان حكيما قاسمها إياها جهد المستطيع، ومهما يكن الأمر فإننا نبصر هنا رجلا عميق العرفان بالناس يدع زوجه تتمتع حرة بمعاشرة شبان مرحين مغامرين عابدين لها غير مبصر سهولة إغوائهم لها، وما كان من اعتداد بسمارك بنفسه وازدرائه للناس فأخذ يقضي عليه بالعمى.
وكان لدى بسمارك ما يكفي لإنذاره مع ذلك؛ فما عليه إلا أن يطالع الصحف في فردريكسروه حتى يجد جميع الأحزاب ضده، وقد جاء في إحدى هذه الصحف: «أن ذلك شلل في الحياة العامة»، وجعلت جريدة «جرمانية» عنوان مقالة لها: «الآن يسير كل شيء ملتويا»، وتبصر جريدة كروززايتنغ مملوءة بالخبائث، وتبتهج صحف الأحرار بمناحي الإمبراطور الاجتماعية، ويداوم الاشتراكيون على مكافحة المستشار كما في كل وقت، ويباغت القيصر بسمارك بسؤاله عن عزمه على البقاء في منصبه، ويحذره بوتيشر من خطر استمرار غيابه فيقول له غير مكترث: «لا يجازف الإمبراطور بتسريحي بعد النظر إلى مقامي وسابق أيامي»، ومثله في هذا كمثل دانتون
4
الذي كان يقول عند تحذيره في كل مرة: «إنهم لا يجرءون!»
وما انفكت روح النقد تكون يقظى في بسمارك مع ذلك، فيذمر من تقلب الإمبراطور، «وعلى الوزراء أن ينتظروا غالبا لطويل زمن في أهم الشئون، ولا يلتفت إليهم كما يجب على الدوام» ويعد بسمارك بلاغا أصدره ولهلم لمصلحة صحيفة فولكزايتنغ أنه «استعداد موروث للجنون»، ولا عجب؛ فقد جاء في تقرير لسفير روسية في ذلك الحين أن الناس يتساءلون عن عقل الإمبراطور.
ولكن هنالك وعدا من الإمبراطور لبسمارك الشيخ، ولكن هنالك رمزا منه إلى الصدام، ولكن هنالك «كلبا أسود شنيعا كبير الرأس أرمص جاف الصدر غير أصيل»، وهذا الكلب هدية من الإمبراطور إليه، والآن يعيش هذا الكلب بجانب الأمير بسمارك الذي يقول: «ذلك ما يأتي من خادم ملك، فقد سلمت كلبي الجميل تيراس إلى حارس غابة الصيد ليعنى به متحفظا بهذا الدرواس، وكان يمكنني أن أسم هذا الحيوان لو لم يمنعني من ذلك ما أبصره في عينيه من إخلاص.»
وهكذا، ترى بسمارك شبه المبعد والقريب من التسريح تاركا مولاه في العاصمة بلا رقيب، وهكذا تراه منزويا في غابة فردريكسروه صابرا على صحبة ذلك الدرواس المرسل إليه من مولاه، وهكذا ترى رفيق أيامه و«أعز صاحب له في العالم» - تيراس - لا يحييه في الصباح خلافا لما كان عليه في السنين الماضية، وعلى حارس غابة الصيد أن يقيد تيراس بالسلاسل؛ خشية شروده وعوده إلى حيث يقتل الكلب الإمبراطوري، وإذا خرج بسمارك الشيخ للنزهة ماشيا أو راكبا رافقه هذا الكلب الغريب البشيع، وهو إذا ما جلس بجانب الموقد وضع هذا الدرواس رأسه الكبير على ركبتيه مطالبا بتدليله، وبسمارك يقول ساخرا: «ذلك ما يأتي من خادم ملك.» وبسمارك يصبر عليه مع ذلك.
ناپیژندل شوی مخ