كثيرة لغسل الأيدي، ولكن مع إناء خزفي لغير الغسل تجمعت حوله جميع أوروبة».
والمسائل التي يجب النقاش حولها في المؤتمر نسيت منذ زمن طويل، وعادت التفصيلات غير مجدية، وعادت المسألة المهمة الوحيدة لا تبدو في سوى ما بين الدول الثلاث الطامعة في الشرق الأدنى من منافسة، ويبلغ ما بين روسية وإنكلترة من مزاحمة غايته حول مسألة بلغارية، وتتشدد روسية، وكان بيكونسفيلد قد أوصى بقطار خاص له، وكان بسمارك قد اطلع على ضعف روسية من شوالوف، فأقنع الإنكليز بأن يكونوا أقل تصلبا وأقنع الروس بأن يكونوا أقل انتفاخا، وهكذا وفق بسمارك لحفظ السلم على حساب صداقة روسية، فصار الناس يتحدثون في الحقيقة «عما أصاب به بسمارك روسية من خزي».
وإذا عدوت ما قيل من البهتان العام حول حماية النصارى من الكافرين وجدت المساومة تتجلى في تحديد مناطق المصالح المزعومة على خرائط لا يفقه أمرها أقطاب لندن وسان بطرسبرغ أكثر مما يفقهه واسطتهما الألمان، ومن الأمثلة على ذلك ما كان من تخصيص بلغارية الحديثة بالسنجق ثم اكتشاف وقوع السنجق وراء سلسلة جبال البلقان بمسافة غير قصيرة وظهور تنزل إنكلترة عن الشيء الكثير ورغبتها في اقتضاب ذلك، ومن الأمثلة على ذلك ما رواه هوهنلوهه من «اكتشافنا مساحة صغيرة يمكن اقتطاعها من الروس، وهي صرد
9
مع أن أحدا منا لم يعرف كونه حدا معقولا، وكانت الخرائط متناقضة غير دقيقة ».
وتمضى المعاهدة بعد أربعة أسابيع فلا تسفر عن سكون مزار في البلقان، فقد «بنيت» بلغارية و«استقلت» صربية ورومانية والجبل الأسود، ووسعت بلاد اليونان، وجعل نهر الدانوب محايدا تديره لجنة دولية، وأغلقت المضايق، وتحتل النمسة ولايتي البوسنة والهرسك وتديرهما مع بقائهما تركيتين، ويكون هذا الأمر الأخير مصدر توتر في عشرات السنين الآتية وإن اتفق عليه قيصر روسية وإمبراطور النمسة سرا منذ عام. ولم يسو شيء وفق العوامل العرقية ولا وفق رغائب السكان؛ فقد ظل الصرب مقسمين بين أربعة بلاد، وبقي البلغار موزعين بين ثلاثة بلاد، ودحر الإسلام مع بقاء الترك في أوروبة، وهكذا اشتمل رق دقيق على مسائل كثيرة لم تحل.
ولم يكن لألمانية أية مصلحة مباشرة في الأمر، وخسرت ألمانية الشيء الكثير على وجه غير مباشر مع ذلك، فزعزع ما بينها وبين روسية من الصداقة، ولم تنل صداقة إنكلترة بدلا من ذلك، ويعزو بسمارك ذلك إلى علل شخصية، فقد قال: «كنا قبل المؤتمر على تفاهم مع القيصر إلى أبعد حد، وكان من المتفق عليه أن أستصوب جميع رغائب روسية، وأن يرسل شوالوف بدلا من غورشاكوف كما وعد القيصر، ويظهر أن غورشاكوف نشي
10
ريح ذلك كما يدل عليه قيام سياسته على تناقض طلبات روسية فاضطررت إلى القول لشوالوف إنني لا أستطيع أن أكون روسيا أكثر من روسية نفسها، ويقدم غورشاكوف تقريره إلى القيصر بعد ذلك، ويقول له: علينا أن نشكر لبسمارك هزال النتائج التي انتهينا إليها، ومما روي لنا أن القيصر قال له عندئذ: حسنا إذن! ستظل مستشارا إذن!» والذي لا ريب فيه هو أن القيصر شعر بأن ذلك «السمسار الشريف» تخلى عنه في أثناء الكفاح الدبلمي، وعن المؤتمر قال القيصر: «إنه حلف أوروبي بإمرة بسمارك ضد روسية.» وإن شوالوف كان ضحية خداع بسمارك.
وقد مهد مؤتمر برلين السبيل لاضطراب البلقان وشقاق بين الدول العظمى لم ينشب أن بدا أثره.
ناپیژندل شوی مخ