290

بسمارک: د یوه مبارز ژوند

بسمارك: حياة مكافح

ژانرونه

ويتوجه الدبلميون في رومة ولندن وفي كل مكان إلى مستشار روسية غورشاكوف عن حقد على بسمارك، ويتخلى هذا المستشار لإنكلترة عن بقعة صغيرة في البلقان، ويذهب هذا المستشار مع القيصر إلى برلين حلا للأزمة أو تعقيدا لها، ويستقبل بسمارك غورشاكوف استقبالا سلميا ويطلعه على آخر استقالة قدمها لمرضه، ولأنه أصبح غير ضروري ما دام كل أمر هادئا، ويتخذ بسمارك هذا الأسلوب تجاه القيصر فيبدي له أنه سعيد لعدم الضرورة إلى امتشاق الحسام.

وهكذا يخدع المستشار الروسي المغرور المكار الشائب تلميذه بسمارك، وهكذا يتبخر آخر حظ للمستشار الروسي في عالم الشهرة، وقد أراد المستشار الروسي أن ينقذ ما بقي له من السمعة فأرسل إلى ممثليه في جميع العواصم برقية غير رقمية قال فيها: «والآن أنقذت السلم» وقد صيغت هذه البرقية على هذا الوجه لإعلان فوز غورشاكوف على بسمارك وأن روسية الأم تغلبت على الجنون التوتوني،

1

ولحمل أوروبة على الاعتقاد بأن روسية وغورشاكوف أنقذا محبة السلم فرنسة من جشع بسمارك الذي هو آفة أوروبة!

ويروي بسمارك مغاضبا أنه ذكر لذلك الروسي بعض الحقائق الهائلة الخاصة بالوطن، ومن كتب بسمارك إليه: «لا ينبغي لكم أن تثبوا على كتفي صديق من الخلف ولا أن تراهنوا على حسابه بتذكرة سباق! وإذا أردتم اكتساب صيت في باريس فلا يجوز لكم أن تنتهوا إلى ذلك بتعكير صفو علاقاتنا بروسية! وإذا أردتم صنعت قطع خمسة فرنكات مشتملة على شعار «غورشاكوف يحمي فرنسة!» وإذا أردتم أقمنا في السفارة الألمانية بباريس دار تمثيل تعرضون فيها على الجمهور الفرنسي بذلك الشعار مع إظهاركم على شكل ملك مجنح حارس لابس ثيابا بيضا باد بنور الأسهم النارية!» ولنا أن نبصر عدم أخذ غورشاكوف بمثل ذلك التهكم، وإنما الذي لا ريب فيه هو أن هذا اللحاء ترك أعمق أثر في ذهن بسمارك فلم يعتم أن صار له من النتائج ما هو مهم في تاريخ العالم.

ولم يتمالك القيصر أن ذهب إلى زيارة بسمارك على غير ميعاد في الحقيقة، فبدأ الكلام بقوله: «دعوني أبدأ قولي بأن أؤكد لكم أنه لم يساورني اعتقاد بأن ألمانية تميل إلى إيقاد نار الحرب!» ويروي بسمارك أن القيصر قال له عن مستشار في حال أخرى: «دعوه يتمتع بعجب المشيب!» وفي الظاهر يبدو بسمارك مغلوبا دبلميا على يد غورشاكوف، وترى بسمارك مع ذلك في وضع استثنائي يظهر فيه ذا شعور سياسي نقي، وما كان بسمارك لينسى تلك الساعة، والآن يمتنع بسمارك عن تكذيب خصمه الذي يعلن في كل مكان أنه محل لاستحسان القيصر، ولكن بسمارك يدخر الأمر في ذاكرته، فبسمارك الذي لم يسطع السكوت في مشيبه عن «جور لم يكفر» منذ خمسين سنة لا بد من أن يرى الانتقام من أجل إهانة وجهت إليه في أوج سلطانه.

ولم تكد سنة واحدة تمر حتى طلب منه الروس أن يختار بين روسية أو النمسة؛ ففي صيف سنة 1875، وبعد انقضاء الأزمة الأخيرة بوقت قصير جدا أسفرت الثورات الجديدة التي قام بها سكان البلقان ضد الترك عن زيادة تحاسد تينك الإمبراطوريتين، وغدا كل ما يعد منوطا بالقرار الذي يتخذه بسمارك، وبسمارك بعد السلم لم يلبث أن حاول عرقلة المتنافسين في البلقان بتأليف حلف الأباطرة الثلاثة، وبسمارك يقول لخلصائه: «لا أقصد التدخل لما ينشأ عن ذلك من حرب أوروبية، وإذا ما أيدت أحد الفريقين لم تنشب فرنسة أن تنحاز إلى الفريق الآخر، وترونني ممسكا بالحيوانين القويين من طوقيهما فاصلا بينهما لسببين: لكيلا يمزق كل منهما الآخر، ولكيلا يتحدا على حسابنا.» وفي الريشتاغ يجعل بسمارك ذلك الرأي الرائع مقبولا بالكلمات الآتية: «أعارض كل تدخل فعلي من قبل ألمانية في تلك المسائل ما دمت لا أرى وجها يجعلني أفترض مسها للمصالح الألمانية، وما دمت لا أرى مس المصالح الألمانية بما يعدل المجازفة بما في الجندي البوميراني الواحد من عظام سليمة مع الرجاء بالصفح عن غلظة التعبير.»

ولا أحد كبسمارك يعرف ما في تحالف الأباطرة الثلاثة من عدم ثبات، وبسمارك كثير الشك في قدرته على المسك بطوقي الحيوانين فصلا لأحدهما عن الآخر إلى الأبد، وكل ما في ذلك التحالف من وزن أدبي هو تعاهد الأباطرة الثلاثة ضد الجمهوريات والديمقراطيات وتفضيلهم اصطبار بعضهم على بعض على أن يقهرهم من يكرهونه.

وفي هذا سر ما كان من تأييد بسمارك في سنة 1870 لفكرة الاتحاد الثلاثي الشرقي الذي سبق أن قضي عليه في سنة 1850، وتجد ما في قيصر روسية وإمبراطور النمسة من الأماني الأسرية حفظا لسلامتهما أقوى من تنافسهما وصولا إلى الفتح، ولكنك لا تبصر في تلك الأيام من طيف لعدو مخيف يوجب تحويل تحالفهما إلى اتحاد مقدس كالذي قام في عهد آبائهما.

وفي ذلك التزاوج الثلاثي تبدو ألمانية أحدث الأزواج الثلاثة فتتجاذبه زوجتان أكبر منه سنا، وكلا الزوجتين محراب، فيصعب على الزوج أن يتصرف منصفا تجاههما، ويقول بسمارك لهوهنلوهه في ذلك الحين: «إذا ما بقينا محايدين في حرب تقع بين روسية والنمسة؛ لم يعف المغلوب منهما عنا قط، وإذا ما أصيبت النمسة بهزيمة تامة لم يكن لنا من ذلك مغنم، نعم نستطيع إذا ذاك أن نضم النمسة لألمانية، ولكن ماذا نصنع بالصقالبة والمجر، ولا يسمح الرأي العام لنا بمحاربة النمسة، وتكون روسية شديدة الخطر علينا إذا زالت النمسة، ولا نقدر على إحباط عمل روسية إلا بمساعدة النمسة.» وبسمارك وجد نفسه أمام تجربة خطرة بعد هذا التصريح بقليل زمن.

ناپیژندل شوی مخ