وإذا نظرت إلى ابنيه وجدتهما مساعدين لأبيهما حينا من الزمن ووجدت هربرت وحده مساعدا له، وهربرت وإن كان أقل الأخوين موهبة، أكثرهما نشاطا، وأذكى الأخوين بيل كسول، ويتزوج بيل ابنة عمه، ولا يؤذن لهربرت في الزواج بمن يهوى فؤاده، وكلا الأخوين شريب خمر، وكلا الأخوين يموت كهلا؛ أي في الخمسين من عمره، ولم يظهر في آل بسمارك عبقري قبل أوتو، وجد أوتو لأمه هو الرجل الممتاز بين آل منكن، ويسفر تزاوج العنصرين عن ظهور عبقري فريد، عن ظهور أوتوفون بسمارك، ثم يبدو الانحطاط في أولاد هذه الداهية الذين يلوح أنهم ورثوا عن أبيهم عدم الاعتدال وعن أمهم قلة التضحية.
ولا يكادون يدخلون إلى بيت أبيهم ما هو جميل أو مليح، أجل حاول أكبرهما ذلك ذات مرة، ولكن ما وقع من محاولته معارضة والده في بعض تصرفاته؛ أدى إلى كفاح خرج الابن منه مغلوبا.
وتم قطع العلاقات السياسية بالمحافظين منذ زمن طويل، ولم يبق من ذلك سوى ذكريات الحقد القديم حينما أولع هربرت بالأميرة كارولات وغدا خدنا لهذه السيدة التي انفصلت عن زوجها بعض الانفصال، وتطلب الطلاق؛ لتصبح زوجا لهربرت، أو كنة لبسمارك - على الأصح - ويبلغ الأمر من هذه السيدة ما تميل معه إلى انتحال البروتستانية وصولا إلى هذا الغرض، وهي لما عليه من جمال باهر، ولأنها من أسرة ممتازة، (وإليزابت هذه هي ابنة الأمير هاتزفيلد تراشنبرغ)، ينظر إلى طلاقها بعين الإغضاء، وأبو هربرت بسمارك لما كان من تربيته ولده هذا البالغ ثلاثين سنة من عمره ليسير على غراره مرتبة ووظيفة يكون لديه من الدوافع ما يوافق به على ذلك الزواج.
بيد أن لإليزابت أختين، إحداهما متزوجة بالجنرال فون لوئه، والأخرى متزوجة بناظر القصر فون شلينتز، أي بعيابي بسمارك الأكبرين، وكان شلينتز نجي أوغوستا منذ سنوات كثيرة، وكان لوئه أخا للشريف الذي هو أحد المفترين على بسمارك، وهل ينبغي لهذين الرجلين أن يكونا عديلين لهربرت؟ أفلا يجب في هذه الحال أن يدعيا إلى وليمة العرس أو إلى حفلة التعميد في المستقبل على ما يحتمل؟ وهل يكون بيت المستشار حليفا لتلك الأسر البغيضة التي تكلم في منازلها جميع الساخطين بالعيب ضده والتي يرى هؤلاء سهامهم فيها ليوجهوها إليه، والتي ازدهر فيها كل افتراء عليه والتي تحول فيها كل حسد إلى مكايد مهلكة؟ أفلا تستتر مؤامرة تحت أمر الغرام ذلك؟ فالانتقام والشك والحقد والاحتراس أمور حملته على منع ذلك الزواج.
واتخذت تلك الحسناء بعض الخطا نحو الطلاق من أجل هربرت، وثرثرت بعض الصحف كلاما حول الموضوع، وتشاجرت تقريبا هي وآلها في سبيل ذلك، وبدت خيالية عاشقة بأكثر مما يقره أقرباؤها في البلاط فاستأجرت مسكنا في بلازومودينا بالبندقية، وإذا قابلنا الرسائل التي كتبتها من هنالك إلى هربرت بالرسائل التي كتبها هربرت إليها؛ بدا لنا أنها كانت حاسبة وأنه كان إحساسيا، أجل، إنه شديد العاطفة على ما يحتمل، غير أن خوفه من أبيه القوي واحترامه لوالده القدير أعظم من عاطفته تلك.
وبعد إعلان الطلاق يكتب هربرت إلى فيليب أولنبرغ قائلا: «سأذهب في أول شهر مايو إلى البندقية لأرى إمكان تنظيم الأمور بيننا على وجه تكون به الحياة أمرا مقبولا، فإذا عدت قمت بآخر محاولة تجاه والدي، والذي يبدو لي أن تلك المسألة هي مسألة حياة وموت، والله يعلم ماذا يحدث! ويلوح لي أنه يستحيل علي تخصيص ما بقي لي من الحياة للأميرة.»
وبعد يومين «قال لي والدي مؤكدا دامع العينين: إنه عازم على عدم الحياة إذا تم ذلك الزواج، ومن قوله إنه يكتفي بما اتفق له من عيش حتى الآن، ومن قوله إنه يجد له سلوانا في جميع كفاحه بما وضعه من آمال في، فإذا زالت هذه الآمال كان ذلك خاتمة أمره، ومما علمته أنه أبدى كثيرا من غمه وهمه لثلاثة أشخاص أو أربعة في أثناء حديثه، وأخبرني اثنان من الأطباء أن حالة والدتي الصحية خطرة، وأن كل إزعاج قوي لها يقضي عليها، وفي الناحية الأخرى تبصر الأميرة المسكينة الوحيدة التي لم تكد تدخل دور النقه والتي تنتظر زواجي بها والتي قد تقع مريضة إذا قيل لها إن هذا الزواج متعذر في الوقت الحاضر، وإذا فارقت هذه الحياة جعلت وضع الأميرة صعبا وأورثت أحبائي كربا».
وبعد يومين آخرين «قال لي والدي إن مما لا يلائم شرفه أن يرتبط اسمه بالزواج في هاتزفيلد وكارولات ولوئه ... إلخ، وإن مثل هذا الأمر إذا قيل حول امرأة لم تسطع هذه المرأة بسببه أن تكون كنة له، ومن قوله إن علي أن أفكر في أنني لا أحمل الاسم من أجل نفسي فقط وفي أن كل شيء يمس اسمي يؤثر فيه وفي أخي كما يؤثر في؛ ولذا فسيقاوم ما أهدف إليه بما أوتي من قوة! وتقول الأميرة في كتاب ترسله إلي إن كل حل آخر غير الزواج أمر مستحيل تجاه كلام الصحف الفاضح، ولولا مقالات الجرائد تلك ما رغبت في الزواج! ولأبي وجهة نظر أخرى ...
وأضف إلى ذلك منعي مغادرة دائرتي، وضرورة انتظاري مرور عشرة أشهر حتى يمكن زواجي قانونا إذا لم يأذن لي أبي، وعدم استطاعتي تقديم شيء إلى الأميرة، وتعديل قانون البكورة بموافقة الملك تعديلا ينص على منع الابن الذي يتزوج امرأة مطلقة من الإرث، وعدم تصرف والدي في غير ملكين كبيرين وإمكان عدم بقاء ميراث لي، ولا أرى كبير أهمية لهذا الأمر ما دمت أشعر بأنني لا أعيش طويلا بعد الزواج وما دمت أبصر أن قطع صلاتي بأبوي يقودني إلى القبر، وإذا مت بعد الزواج بقصير وقت خسرت الأميرة نصف الدخل الذي يجب على الأمير كارولات أن يؤديه إليها وفق ما نص عليه في العقد فلا يكون لديها آنئذ ما يكفي لعيشها، ويظهر أنه لا مخرج من المأزق، وما يساور والدي من مرارة حاضرة إزاء الأميرة فلا يجعلني أفترض إمداده إياي بأي مال، ووالدي يقول إن الأميرة إذا حملت اسمه ساقه هذا إلى الانتحار، ولا أجد من الكلمات ما أعبر لكم به عن مقدار تحطيم والدي إياي بحديثه ذلك، ولا يمكنني أن أنسى قلب والدي لحسابي رأسا على عقب».
وبعد أسبوع من ذلك «تذكرني الأميرة في كتاب ترسله إلي بقول التوراة: «لأجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته ...» ومن المتعذر أن يبقى سفري إلى البندقية مكتوما؛ فآل الأميرة - وبعضهم مستهتر مع الأسف - يعملون على نشر أحاديث عن رحلتي في الجرائد، وهم كآل كارولات لا يودون غير وقوع الزواج لأسباب مالية وخلاصا لهم من التزاماتهم، وللأمير كارولات - على الخصوص - توفير مالي كبير إذا تم الزواج، ومحامي أسرته هو الذي كتب المقالات الصحافية الأولى حول الموضوع، ويقول لي أبي إنني إذا ذهبت إلى البندقية ذهب معي، وإنه أميل إلي وإلى منع هذا الزواج من ميله إلى الريخ، وإلى أعماله وإلى ما بقي من حياته، فهو لن يدعني أسافر وحدي بأي ثمن كان، وهو سيكلم الأميرة في الموضوع، وقد بلغت محادثات والدي إياي في الأمر من ربكي ما صرت معه عاجزا عن عمل أي شيء كان، ولن أكون سعيدا بعد اليوم ولو ليوم واحد، وهنالك ثرثرة حول صلاتي بالأميرة منذ سنين، وقد حامت الظنون في الصحف حول صلاتي بالأميرة منذ سنين فصار من الشرف أن أتزوجها ولو زال ولوعي بها، ويختلف والدي عني، ولكن لا أستطيع أن أتخذ وجهة نظر أخرى، وعلي أن أضحي بشرفي في سبيل أبوي! وكيف أستطيع العيش مع هذا الكدر؟»
ناپیژندل شوی مخ