252

بسمارک: د یوه مبارز ژوند

بسمارك: حياة مكافح

ژانرونه

هنالك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن الأمير بسمارك كان قبل أن يصير وزيرا في بروسية ذا صلة بالأوساط العظيمة في عالم المال، ويرجع ما بين فون بليشرودر والأمير من صلات وثيقة على وجه غير مباشر على الأقل إلى ما قبل نصبه وزيرا؛ أي إلى الأيام التي استطاع فيها - براتبه الضئيل ومع ضعف ثروته - أن يمثل مولاه سفيرا لبروسية في سان بطرسبرغ وباريس وفرانكفورت، فكان لا بد له من الإفادة في الأمور المالية. ومما لا ريب فيه أنه يحق للأمير بسمارك - كما يحق لكل إنسان آخر - أن يطالب ببراءة ذمته إلى أن يظهر من الأدلة ما يدينه، ومما لا يمكن إنكاره مع ذلك أن هذا القطب السياسي القدير جعل من نهابي الشعب المعروفين محلا لرعايته، ولا يكاد يوجد خطأ لم تقترفه الحكومة الحاضرة، وذلك سترا لصلاتها الشائنة برجال المال في برلين.

وذكر البارون فون لويه أنه لقي بليشرودر في الوزارة في شهر يوليو سنة 1870 وقبل شهر الحرب بيوم واحد، فقال: «لا يفترض أن يكون فون بليشرودر وفون بسمارك قد حضرا معا للكلام عن المطر وحسن الجو، ولا أعرف هل باع فون بليشرودر أو اشترى في ذلك النهار؛ أي ضارب على الحرب والسلم، وإنما الذي لا أشك فيه هو أن ما بين فون بليشرودر وفون بسمارك من الصداقة كان مفيدا لهذا الأخير، أعني: مفيدا ذهنيا!»

ثم قيل إن بسمارك وضع أمور الحكومة في يد يهودي مستأجر لمصنع ورقه في فارزين اسمه بهرند، ثم كتب قائد المائة المسمى فون بوتكامر يقول: إن وضع بسمارك للقانون الخاص بإقطاعات بوميرانية هو لتتمكن زوجته من وراثة إحدى إقطاعات آل بوتكامر!

وهل تصل الخسة إلى ما هو أبعد من ذلك؟ أنداد بسمارك يرمون بالقول السيئ هذا الرجل الذي يكسفهم ظله جميعا، فيودون عرضه على أنظار الناس إنسانا مضاربا، وهم بمداخلهم ينزعون منه كل وجه للشكوى، وهم يؤذونه في دور تقدم الشركات، وهم يجعلون من اليهود في كل حال محل لعناتهم، وهم يسيئون إلى بلدهم قبل كل شيء بما تسر به أوروبة من تلك التهم بالارتشاء، وهم على ما كان من إفادتهم من المضاربات الموفقة في ذلك الدور بفضل حذق معظم المصارف اليهودية؛ تجدهم يفترون على هذه المصارف ويجعلون من بسمارك الذي أوجب ذلك الانتعاش القومي مبتكرا لتلك القبائح، «وذلك لاتساع مدى الارتشاء، ونحن نعيش تحت ظل حكومة فاسدة تسمى بسمارك»، وهذه هي الجملة الوحيدة التي أمكن رفع قضية بسببها، وقد فر كاتبها اللاسامي مجتنبا للسجن مواظبا على الكتابة في سويسرة.

ولو وجهت هذه المثالب إلى فيندهورست الذي كان يجتمع ببليشرودر في الحين بعد الحين لأثارت تبسما؛ وذلك لبقاء فيندهورست فقيرا حتى مماته، وعكس ذلك أمر بسمارك الذي عزم على جني بعض الفوائد الشخصية مستعينا بلوذعيته وقدرته، وهو الذي كان يشير - في الغالب - إلى الهدايا العظيمة التي يقدمها الشعب الإنكليزي إلى أقطابه السياسيين مقدرا أنه لا يقدر على حفظ مقامه أميرا إلا بمثل هذه الهبات، فاستطاع أن يجمع ثروة كبيرة في أثناء السنين الثلاثين التي ظل قابضا فيها على زمام الأمور.

بيد أن بسمارك كان من الذكاء العظيم ما لا يخاطر معه بمقامه الرسمي أو بصيته الشخصي ولو أتته هذه المجازفة بالملايين، وماذا فعل؟ اكتشف - بما اتفق له من دهاء سياسي - طريقا وحيدة يستطيع أن يبلغ بها غايته من غير أن يخاطر بشيء؛ وذلك أنه اختار من بين أصحاب مصارف الريخ رجلا رآه أجرأهم وأشرفهم فربط هذا الرجل به مكلما إياه عن سير المعاملات عند الاقتضاء ضامنا أقصى ما يمكن من نمو ماله بإمضاء واحد؛ أي بتوكيل صاحبه هذا وكالة عامة .

ويعم الناس عظيم استياء ضده لعمله ذلك، ولا سيما في دور نمو الشركات ذلك، حيث ترى كل رجل ناجح عينا على الآخرين، ويسري بين النبلاء الذين كانوا يجمعون مالا قول حول «الخطر على يسر الدولة العام من إعطاء قطب الإمبراطورية السياسي الأول وكالة عامة بإدارة أمواله لرأس أصحاب البنوك الذي هو مالي يهودي كبير»، ويحاول مولتكه وقواد آخرون أن يفصلوا بسمارك عن بليشرودر بوسائل غير مباشرة، وينذره خلصاؤه القدماء كتابة، ومن ذلك قول أحدهم: «لا أستطيع أن أمنع نفسي من مصارحة سموكم بذيوع نكتة بين الشعب قائلة إن بليشرودر شريك في الحكومة، وقد هتك شرف بروسية القديم بما يلاقيه أصحاب الشركات من الحظوة لدى المقامات العليا.»

وما كان لبسمارك ليسمتع لأية نصيحة كانت، فلما كتب بعضهم إلى الإمبراطور محذرا عمل بسمارك على زيارة بليشرودر لولهلم في أملاكه، وأموال الإمبراطور الخاصة - فضلا عن ذلك - كانت سائرة في طريق النجاح على يد «مالي يهودي» آخر كما تسير أموال بسمارك.

ويقول بسمارك في مشيبه: «أعرف ماذا يجب علي أن أفكر فيه حول بليشرودر وأولاده، فقد كان صرافي، ومن البهتان أن يقال إنني كنت أعطيه إشارات سياسية يتمكن بها من القيام بأمور مفيدة لي أو له، ومن الصحيح أنه أمدني في سنة 1866 بوسائل مواصلة الحرب على حين كان كل واحد غير راغب في إعطائنا قرضا، وهذا ما جعلني شاكرا له، وإنني - كرجل مسئول - كنت لا أدع إنسانا يهوديا أو غير يهودي يقول إنني استغللته ثم قصرت في مكافأته على ما قدم من خدم لا يسعني سوى تقديرها كرجل سياسي.» وهنا نرى تشابك الشكران والإذعان.

ويعنى بسمارك بالجزئيات في السنوات العشر الأولى، وهو يقص علينا أنه لم يبع سنداته الأجنبية حتى سنة 1877، «فلما علمت أن شوفالوف عين سفيرا في لندن لم أنم ليلة واحدة قائلا في نفسي: إن الروس بانفصالهم في ذلك الحين عن أنبه رجل فيهم يكونون قد أخطئوا، وهذا ما جعلني في اليوم التالي أوعز إلى بليشرودر بأن يبيع ما لدي من سندات الدولة الروسية، فأثنى بليشرودر على سعة نظري في هذا الأمر.»

ناپیژندل شوی مخ