223

بسمارک: د یوه مبارز ژوند

بسمارك: حياة مكافح

ژانرونه

وارجع البصر إلى وصفهما في فتائهما، في سن يمكن الإنسان أن يختار فيها ماذا يصير، تجد بينهما اختلافا بينا، فترى بسمارك كله من عضل وجوهر وإرادة، وترى مولتكه كله من عظم ورسم وفكر، وفيما كان بسمارك يكتب، وهو في الخامسة والعشرين من عمره، رسائل هزوء بالنفس مع زهو؛ كان مولتكه يترجم نفسه بقوله: «يحيط بوجه شاحب جلي خصل شقر، وعلى ما لا يزعم هذا الوجه من حسن منظر فيه تجد عليه سمة الجد والنبل، وله هيئة ذات ظرف، وله ملامح لا تهتز بغير دافع باطني، وهو كالنهر العميق الذي يتدفق إلى الأمام بلا انقطاع تحت سطح هادئ، وهو لا يضطرب مزبدا إلا إذا اعترضت صخور لمجراه.» وروح بسمارك الدائمة الحركة منذ شبابه كانت تشابه البحر الهائج.

وكان مولتكه لطيفا رءوفا نحو كل واحد وكان إيجابيا كرون مع فتور أشد مما عند هذا، وكان معتدلا في كل شيء، وكان بلا بدن تقريبا، وكان غير محتاج إلى العمل تسكينا لاضطراب نفسي فيه، وكان رصينا في الشغل والراحة، وكان قليل الكلام لا عن غموض أمر ولا عن حقد على الناس، بل لعدم اضطراره إلى التذمر، ولا إلى البيان عن أثرة، ولا إلى كتم شيء وراء ألفاظ عن مهارة، وكان لا يلتزم جانب الصمت عن كبرياء ولا عن سوداء، بل عن ميل إلى مشاهدة الممثل وعن كره لمشاهدته إذا ما مثل.

وكان ذا مزاج معتدل وذا طبع صباحي حتى في نزهه، حتى في نومه وشربه وقراءته، وكان يفضل حديقته على الغاب، وكان ينجز عمله بيده سواء أكتب تقارير إلى الملك أم نشر شجرا أم طعم نباتا، وكان بلا ولد، وكان يفكر في الآخرين على الدوام، وكان غير ذي خدم، وكان كاتبا روائيا ومغرما بموزار ومترجما لقصائد أجنبية، فإذا ما حولنا كل واحدة من صفاته هذه إلى ضدها وجدنا صورة بسمارك.

ويشتد ذلك التضاد بما كان من عدم وجود وطن له، وهو في ألمانيته كبونابارت في فرنسيته تقريبا، وهو وإن كان ألمانيا مولدا اتخذ أبوه الدانيماركية له جنسية حينما كان (القائد القادم الصبي مولتكه) في السنة الخامسة من عمره، ويصير مولتكه ملازما دانيماركيا فيعود إلى وطنه الأصلي ألمانية ابنا للثانية والعشرين من سنيه، وتمضي أربعون سنة فيحارب مولتكه دانيماركة بحماسة لا تزيد على حماسة قائد جنود من المرتزقة موجها مدافعه إلى أبطال هذا البلد وراياته وكتائبه التي أقسم على الدفاع عنها في غابر الأزمان، ويقوم حسابه على الأرقام على حين يقوم حساب بسمارك على الأجرام،

17

وتقوم خدمته على خبرته المهنية على حين تقوم خدمة بسمارك على ما له من شخصية؛ ولذا يمكن مولتكه أن يبرر سيره في ذلك الأمر بأسهل مما يبرر به بسمارك قراره في إطلاق النار على الألمان، وبسمارك هو الذي سبق فعين وجهة حركات مولتكه وخطط هجومه، وبسمارك هو الذي يتخذ تصاميمه فيجعل نفسه مسئولا عنها، ويحب مولتكه أن يسيح ويقضي سنين كثيرة في البلدان الأجنبية، ويجاوز مولتكه الأربعين من عمره فيتزوج فتاة إنكليزية يمكن أن تعد ابنة له لصغرها، ويبتعد مولتكه عن الألماني في أوضاعه وأخلاقه وطرز حياته، ولو كان من طالع مولتكه أن يكون ملازما في الجيش الروسي لشعر في روسية بأنه بين أهله كما يكون في الأرض السيليزية التي سيشتريها بمهره، وهنالك لا بد من أن يكون في المقدمة من مهنته بروسية كما أصبح في بروسية، وبذلك بفضل عبقريته الحربية التي هي أكثر المواهب والمهن دولية.

وتناسق في الخصائص والسلوك كذلك، واعتدال مع صموت كذلك، مما يجعل مولتكه غير محبب إلى بسمارك كما يجعل بسمارك غير محبب إلى مولتكه، ويقوم وصفهما المشترك على شك كل منهما في الآخر شكا عميقا، وما كان مولتكه ليدرك أن رجلا يعيش هائجا بذلك المقدار، وما كان بسمارك ليدرك أن رجلا يعيش هادئا بذلك المقدار، ولم يتبادل الرجلان كلمة وداد مع أن رون كان ودودا لكليهما، واليوم حين وجب عليهما أن يعملا معا كثرت عوامل تصاكهما. وفي المساء بعد معركة سيدان يدعو مولتكه بسمارك التعب المنهوك إلى الترجل والركوب معه في عربته، فلما كانا سائرين فيها هتف الجنود لقائدهم مولتكه هتافا حارا، فقال بسمارك: «من الغريب أن يعرفني جميعهم بهذه السرعة!» ويصمت مولتكه آنئذ، ثم يروي القصة بعد بضعة أيام مبتسما.

وفي شهر أكتوبر يشتكي بسمارك من القائد مولتكه لعدم سماعه بيانا له، «مشابها طيرا طريدا رويدا رويدا»، مع أن الآخرين يصفون مظهر مولتكه ب «البتولي

18

تقريبا».

ناپیژندل شوی مخ