وينساب الصبي في الحظيرة عند البقر فيقول له براند البقار الهرم البالغ من العمر تسعين سنة: «حذار أيها الشريف! فليس من العسير أن تضع البقرة قرنها في عينك، والبقرة تداوم على أكلها هادئة من غير أن تبصر ذلك، ولكن مع فقد باصرتك!»
ويقول ذلك الهرم: «أيها الشريف!» بلهجته العامية، ويمضي سبعون عاما، فيذكر بسمارك ذلك البقار الواقعي الذي كان يقص عليه من أنباء الملك فردريك ولهلم الأول، فيروي أنه رآه في كوسترين قبل الملك فردريك الكبير بزمن طويل.
وفي أيام الأعياد يدخل الأب وابنه البهو ذا النوافذ الثلاث، فيقص الأب على ابنه هذا أحاديث لما يبدو في البهو من صور بعض الأجداد اللابسين خوذا والحاملين سلاحا والناظرين بعبوس ووقار من صورهم ذات الأطر المعلقة على الجدر. والواقع هو أن معظم أولئك الأجداد كانوا أصحاب الحكم في الإلبة مدة تزيد على خمسمائة عام، فإذا ما حدث الأب ابنه البكر، الذي هو في السنة التاسعة من عمره فيقدر على وعي ما يقال له؛ أصغى الابن الأصغر إلى الحديث، وماذا يسمع؟ هو يسمع أن أجداد أبيه كانوا من الفرسان وفق صورهم في البهو، وأنهم كانوا يسكنون البروج والقصور عدة قرون، وأنهم كانوا يملكون من الفدادين من يحرثون أراضيهم وأنهم كانوا يمارسون شئون الأمن والعدل، وأنهم - منذ القديم وفي أيام الآحاد - كانوا يجلسون على كراسي من خشب السنديان بصدر الكنيسة منفصلين عن خدمهم وبقية أتباعهم كما لا يزال حفدتهم يصنعون.
ومن المحتمل أن روى الهر فرديناند فون بسمارك لابنه أن أشراف المارش القديم أولئك كانوا من المتغلبين، لا من الندماء، وأنهم كانوا من الرماة - في أكثر الأحايين - أولم يكره أحد الأمراء الناخبين آل بسمارك منذ طويل زمن على التنزل عن غاباتهم الرائعة فيقبلوا - مغبونين - شونهاوزن بدلا منها؟ ومنذ مائة سنة يحاول الملك أن يفرض ضريبة على أملاك أشراف المارش القديم، فيضع جد فرديناند الأكبر نفسه على رأسهم محتجا على «تنزيل إمارة حرة إلى ولاية هزيلة خاضعة للإتاوة».
6
وقبل أن يموت الملك أعطى ابنه فردريك الشاب جدولا بأسماء الأسر الأربع المتمردة فذكر فيه آل بسمارك ب «أنهم أشدها زهوا وأجدرها بأن تخشى.»
وكان جد الصبي شريب خمر وصيادا قديرا؛ فقد أصمى
7
في سنة واحدة 154 وعلا كبيرا. ويشابه الصبي جده هذا أكثر من مشابهته لأي رجل كان، وقد عاد أبوه لا يكون فارسا. ومن الواقع أن الجد بعد من الفروسية، فلما ماتت زوجه الفتاة قبل فرتر بقليل نشر مرثية مؤثرة غالى فيها بوصفها ووصف قرانه بها. وتلميذ جان جاك روسو، هذا الذي لم يرد أن يجعل من أبنائه «غير أربعة رجال صالحين» كان يدعوهم بأصدقائه وكان يقرأ رسائلهم مسرورا إذا ما عنوا بأسلوبهم، وكانت لديه مكتبة كاملة مشتملة على أفضل الآثار. وعدم الحرص، مع البطالة، هو ما ورثه عنه فرديناند (والد بسمارك) وإخوته؛ فهم، وإن كانوا جميعهم يذهبون إلى الحرب، لم يقصدوا البلاط راضين بحياتهم المنزلية.
والآن يقوم فرديناند بتربية ولديه الصغيرين في كنيبهوف، ولا غرو إذن أن يترك الخدمة منذ المعركة الأولى ابنا للثالثة والعشرين من عمره، ويبلغ الملك من الغضب ما ينزع به رتبته قائدا لمائة من الفرسان ويحظر عليه لبس بزته العسكرية، فلم يعدهما إليه إلا بعد وقت كبير، حتى إن أبا بسمارك لم يعد إلى الجندية في أحرج الأدوار، بل أهل
ناپیژندل شوی مخ