ولكنه - وقد التمس الهدوء في موطنه هذا الجديد - لم يوفق إلى ما أراد؛ فإن غارات الفدائيين من العرب لم تزل تناله من البر والبحر، فلما كانت أيام القيصر «قسطنطين بوغونات» وحاصرت جيوش معاوية مدينة الروم فطوقتها برا وبحرا بالآلاف من السفن وعشرات الآلاف من الجند،
9
نزلت أبيدوس سرية من سرايا العرب فأعجلت أهلها عن الدفاع، وعاثت فيهم عيثا شديدا؛ ففتكت وهتكت واحتملت أسارى وسبايا، وكان فيمن سبيت «روديا» بنت قسطنطين نفسه؛ وقد دافع البطريق البطل عن أهله وولده وبلده ما استطاع الدفاع، حتى رد العرب على أدبارهم، ولكنه لم يستطع أن يستخلص فتاته السبية، وحملت فيمن حمل من الأسارى والسبايا إلى دمشق ...
وتتابعت غارات العرب - بعد ذلك - على هذا الحصن الصغير كل صائفة وكل شاتية، ولكن قسطنطين لم يقصر في الدفاع مرة ...
فلما كانت أيام جوستنيان الثاني - بعد استباء بنت قسطنطين بعشرين سنة أو يزيد - وبدا للروم أن الدولة العربية في الشام قد أشرفت على الانحلال - أيام عبد الملك
10 - لما يتوزعها من أسباب الخلاف وما ينشب فيها من الفتن، كان قسطنطين أول من كتب الكتائب الرومية لاهتبال الفرصة السانحة، ودعا الروم إلى التطوع للجهاد، وكانت الفرقة التي ألفها من بنيه وبني إخوته ومن شباب أبيدوس أول فرقة رومية وطئت ثغر أنطاكية وأوغلت في أرض الشام، ثم كان الصلح بين عبد الملك وجوستنيان الثاني؛ فارتد الروم مصحرين أو مبحرين
11
إلى بلادهم، ولكن قسطنطين لم يرتد حتى أصاب غنائم وأسرى مصفدين في الأغلال يسوقهم إلى أبيدوس؛ ولولا أن جوستنيان أمره فأغلظ في الأمر لما عاد حتى يثخن في بلاد العرب، ويبلغ من العلم عما آل إليه أمر ابنته التي استباها العرب منذ نيف وعشرين سنة، ولكنه - مع ذلك - قد ارتد بأسارى يرجو أن يبقوا عنده رهائن إلى يوم قريب أو بعيد.
12
وكان الشاطيء الشمالي من خليج القسطنطينية قبلة الغزاة العرب في كل غارة، حيث يثوي أبو أيوب الأنصاري؛ يهاجرون إليه لينزلوا عليه ضيوفا في داره هذه التي اتخذها مثوى إلى يوم يبعث الله الموتى، فكانت أبيدوس لذلك طريقا لهؤلاء الغزاة المغيرين، يبيتونها
ناپیژندل شوی مخ