استمر السجود إذن حتى انتصر كحقيقة على كل ما اجتاح الرءوس من احتمالات أو مخاوف أو ضحكات.
ولأن لا نكتة هنا، والضحك الحقيقي لم يبدأ بعد، فلنتركهم هكذا، ساجدين، كل منهم لا يريد أن يكون البادي بالمعصية، لنتركهم ساجدين!
إذ هكذا بالضبط تركتهم أنا.
أنا الشيخ عبد العال إمام مسجد الشبكشي في الباطنية.
أكان لا بد يا «لي لي» أن تضيئي النور؟! •••
أنا قطعا سبحان فالق الإصباح، النوم في صوتي، فعيوني لا تتفتح إلا حين الوصول إلى «استغاثات» الفجر، أنا، أنا صاعد سلم المئذنة الأفعواني المظلم، أنا، مشفقا على صدري وصوتي من الندى، أنا عيناي تقتحمهما البرودة وتغلقهما العادة والإحساس بأداء الواجب وإني إنما أؤذن في مالطة، وإن الأتقياء في الحي قليلون، والأتقياء تماما يفضلون جامع الأزهر القريب، وإجهاد الصوت لا فائدة منه؛ فماذا يفعل صوتي وسط غابة المآذن المحيطة المزودة بحناجر ميكروفونية يغرق بينها صوتي مهما ارتفع، أنا ... أنا ... أؤذن لنفسي، ويكفيني أن الله يسمعني ويعرف أني أؤذن الفرض كما أمر ويغفر لسكان الحي النائم منهم واليقظان؛ فنائمهم بمعصية، ويقظانهم لمعصية، والحظ وحده أو لعلها الحكمة هي التي دبرت تعييني في جامع أقامه صاحبه وقفا من قديم الأزل، تركي كان هو، بالسياط سلب وضرب، واعتقد أنه بالجامع وبضريحه المقام بجوار القبلة يجني ثمار الدعوات، ستحمله صلوات الناس جيلا بعد جيل لتقربه من الجنة. حتى رحلة الجنة تقطعها على أكتاف الآخرين يا ... تركي؟!
أنا الخريج الحديث من الأزهر، من صغري أحببت الله، وبإرادتي ربطت وجودي بدينه، أكاد أبسم إشفاقا ممن يتصورون أني دخلته لأصبح فقيها ومقرئا ما دام قد وهبني الله هذا الصوت، أعرف أنه جميل وأني كي أداريه لا أكشف للناس عن جماله، ولكن ما لهذا اخترت الأزهر، وما لهذا حفظت القرآن صغيرا، ومن ابتدائي مدارس حولت إلى ابتدائي أزهر، السبب أعمق، السبب إلهي، السبب موقفي من كون ليس فيه ما يستحق الحياة سواه.
أكان لا بد يا «لي لي» أن تضيئي النور؟!
أكان لا بد.
كم بدا النور باهرا، وسط تمام الظلام، مصباح واحد في حجرة السطوح الواحدة، هذا صحيح، ولكنه يكاد يضيء الباطنية كلها، قابعة كمعسكر مزدحم نفق قاطنوه أو رحلوا، البيوت مريضة تتساند، أحشاؤها صغيرة بارزة محشوة كرحم القطط بآدميين، رعيتي ومسئوليتي، بالأدق فشلي، بالرغبة المستعرة في إيقاظ الله في نفوس تريد أن تنسى فكرة وجوده.
ناپیژندل شوی مخ