بیروت او لبنان له یو قرن او نیمه پېړۍ راهیسې
بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن
ژانرونه
وبناء على هذا؛ أراني لا أستنكر أبدا أعمال نسائنا اللواتي يجدن أنه من اللياقة أن يرتدين ملابسهن على الطريقة الشرقية، أو يتبعن بعض العادات المحلية، ولكني لا أرتضي أبدا أن تتشرب نساؤنا المتمشرقات هذه الأوهام التي لا تحصى؛ إذ يستحيل عليهن أن يحافظن - بعد ذاك - على تقاليد حضارتنا الأوروبية.
إن الأوهام كثيرة الانتشار في سوريا، وبما أن البيروتيين ليسوا بالشعب الأشد ذكاء من غيره في هذه الولاية، فقد تأصلت هذه الأوهام في عقولهم بسهولة فائقة؛ فمن أوهامهم وخرافاتهم مثلا: إذا أردنا أن تصل رسائلنا إلى أصحابها يجب علينا أن نرميها على الأرض، لا أن نسلمها يدا بيد إلى ساعي البريد أو الرسول. وإذا قطعنا جزءا من طرف ورقة السند فهذا يعني أننا ننوي الإيفاء كاملا. وإذا شئنا أن نسر شخصا بأن نهدي إليه منديلا فلا بد من أن نمزق - ولو قليلا جدا - أحد أطرافه؛ ولكن هذه الخرافة لفظت أنفاسها الأخيرة لما صار تطريز حواشي المنديل علامة التكريم والترف.
أما إذا أراد شخص أن يكتب إليك وينبئك بحرج موقفه، أو الخطر الذي يحدق به، فإنه يحرق أحد أطراف الرسالة قبل إرسالها.
والبيروتيون يحتلون المكانة الأولى بالتقتير على أنفسهم في جميع ضروب المعيشة. إلا أني بعد أن تعرفت بأهالي حلب أقول - اعترافا بالحقيقة - إن سكان بيروت يتخلون لهؤلاء عن الأولية ...
إن سكان بيروت يضيفون - بصورة متصلة - أبناء الجبل ورجالات الأساكل الذين تجتذبهم أعمالهم التجارية إلى مدينتهم؛ لأن الأهلين في الشرق هم الذين يهتمون بإيواء من يأتي راكبا أو على الأقدام بناء على كتاب توصية يقدمه. وهذا ما يتعب ويدعو إلى النفقات مهما تكن منزلة الشخص؛ وهكذا نجد في كل بيت تقريبا عدة أسرة معدة للنزلاء.
أما ما يلام عليه البيروتيون فهو أنهم يحاولون أن يجعلوا من البخل فضيلة؛ فأطيب الأحاديث على موائدهم هو التحدث عن منافع الإقلال في الأكل، وهم ينتهزون فرصة الجلوس حول المائدة ليفيضوا في التكلم عنها مع ضيوفهم، حتى إذا كان هؤلاء من ذوي القابلية العنيفة يشعرون في الحال أن الإقلال من الطعام واجب ونافع، وقد يتحدث صاحب الدار عن الضائقة الآخذة بالخناق، ويأخذ بالتشكي والتأوه، ثم يبالغ في شكواه ليدل على قيمة كل لون من ألوان الطعام، لا بل ثمن كل لقمة، وكأنه يقول لمؤاكله: «إن اللقمة التي تضعها في فمك تعود علي بكذا بارات!»
وعندما لا تسفر هذه الطرق عن النتائج الطيبة، فصاحب الدار - الذي يمكنه أن يعتمد أساليب أخرى - يسأل ضيفه عن نوع العلة التي مات بها أبوه أو أمه. إنه يعلم أن الذكرى المؤلمة، والانقباض الذي يشعر به وهو يروي الحوادث التي استبقت هذه الخسارة القاسية، يحدان غالبا من نشاط قابليته إذا كان نهما، وقد أحس أحد الظرفاء بهذه الشراك المنصوبة له فأجاب بسرعة: «بالموت الفجائي!»
ويروى أن أحد هؤلاء البخلاء الفطاحل دعا سائحا أجنبيا إلى تناول الغداء على مائدته، وبحجة تأخر إعداد المائدة لسبب طارئ غير منتظر، سأله الخروج إلى الحديقة حيث يستنشق الهواء النقي، وهنالك أغراه منظر الثمر على الشجر، فدعاه إلى أكل التين الأخضر الشهي.
وبسرعة الشهب استيقظت قابلية الضيف الذي كان لا يزال صائما على الرغم من أنها الساعة الثانية بعد الظهر، فلبى الدعوة فورا. ولما كان نهمه يتطلب إشباعا سريعا، فقد ابتدأ يستثمر شجرة التين دون أن تستوقفه قشور ثمارها، غير مميز بين الناضج والفج. وكان ذاك البخيل يلاحظ ذلك متهللا، شاعرا بسرور عظيم وهو يفكر بكمية الطعام التي يوفرها، ومع ذلك فإنه لم يشأ أن يستعجل الأمور، فترك الرجل على هواه، وغمز ابنه ليظل مرافقا له، ولا يدعوه إلى المائدة إلا عندما يبدا بتقشير الأثمار لأنه يكون قد شبع؛ فتأمن السفرة شره ...
لست أدري إذا كان مسيحيو بيروت يميلون إلى الاعتقاد القائل بوجود «تعويض» في العالم الآخر. إلا أني أعرف رأي الكثيرين منهم في ضروب المكر والغش والخداع، وهم يسمون هذا دهاء ولباقة.
ناپیژندل شوی مخ